الأحد، 14 نوفمبر 2021

3-صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان/3 / ابن الصلاح صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان

صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان/3 / ابن الصلاح صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان 
 
=قول معاذ رضي الله عنه كنت ردف النبي ﷺ ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل

فالردف هو بكسر الراء وإسكان الدال وهو الراكب خلف الراكب

ومؤخرة الرحل هي التي خلف الراكب يستند إليها والأكثر الأغلب تسميتها أأخرة الرحل وهي مؤخرة الرحل بميم مضمومة ثم همزة ساكنة ثم خاء مكسورة خفيفة وقالها بعض الرواة بفتح الهمزة وفتح الخاء المشددة وهو غالب على ألسنة الطلبة وليس ذلك بثابت

وحكى القاضي عياض رحمه الله وإيانا في ذلك في كتابيه مشارق الأنوار وإكمال المعلم عن ابن مكي أنه أنكر الكسر وقال لا يقال مقدم ولا مؤخر بالكسر إلا في العين يعني قولهم مقدم العين ومؤخرها

قلت وهذا الذي حكاه عن أبي حفص عمر ابن مكي الصقلي صاحب كتاب ما تلحن فيه العامة معروف عن الخليل ومن تقدم من أهل اللغة

وما توهمه القاضي من كونه مخالفا لما تقدم ذكره وهم منه فإن ذلك كلام في مقدم ومؤخر بغير تاء التأنيث والمراد به أنه لا يقال مؤخر السفينة وغيرها ومقدمها بالكسر بل مؤخرها ومقدمها بالفتح والتشديد وليس في ذلك تعرض لمؤخرة الرحل بتاء التأنيث وهما نوعان فاعلم ذلك والله اعلم

قوله ﷺ لمعاذ هل تدري ما حق العباد على الله وجهه مع كونه سبحانه وتعالى يتعالى عن أن يستحق عليه أحد حقا أنه لما كان ما وعد به يوجد لا محالة ولا يقع تركه صار كالحق الذي لا يسيغ تركه فأطلق عليه لفظه

وإخبار معاذ بذلك عند موته تأثما أي تجنبا للإثم مع أن النبي ﷺ منعه من أن يخبر به الناس وجهه عندي أنه منعه من التبشير العام خوفا من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم فيغتر ويتكل ومع ذلك أخبر ﷺ به على الخصوص من أمن عليه الاغترار والاتكال من أهل المعرفة بالحقائق فإنه أخبر به معاذا فسلك معاذ هذا المسلك وأخبر به من الخاصة من رآه أهلا لذلك تأثما من أن يكتم علما أهله والله أعلم

وأما حديث أبي هريرة المذكور بعد هذا وما فيه من خلاف حديث معاذ من أمر رسول الله ﷺ أبا هريرة بأن يبشر بالجنة من لقي ممن يشهد أن لا إله إلا الله وقول عمر أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون وقوله ﷺ فخلهم

فأقول إن ذلك من قبيل تغير الاجتهاد وقد كان القول بالاجتهاد جائزا له وواقعا منه عند المحققين وله المزية على سائر المجتهدين بأنه لا يقر في اجتهاده على الخطأ

وقد روى الثقات في حديث أم سلمة المعروف أنه ﷺ قال إني إنما اقضي بينكم برأي فيما لم ينزل علي فيه ومن نفى ذلك وقال لم يكن له القول في الأمور الدينية إلا عن وحي فليس بممتنع أن يكون قد نزل عليه عند مخاطبة عمر له وحي بما أجابه به ناسخ لوحي سبق بما قاله أولا ﷺ والله ورسوله أعلم

قوله في الرواية الثانية كنت ردف رسول الله ﷺ على حمار يقول له عفير

هذا يقتضي أن يكون ذلك في مرة أخرى غير المرة المذكورة في الرواية الأولى فإن مؤخرة الرحل يختص بالإبل ولا تكون على حمار وعفير هو بضم العين المهملة وبالفاء وهو الحمار الذي كان له ﷺ قيل إنه مات في حجة الوداع وقال القاضي عياض إنه بغين معجمة متروك عليه والله أعلم

قوله شعبة عن أبي حصين هو بحاء مهملة مفتوحة بعدها صاد مهملة وفي آخره نون وهو عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي وليس في الصحيحين حصين وأبو حصين بالفتح سوى هذا والله أعلم

وفي رواية أبي حصين المذكورة يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد قال الله ورسوله أعلم قال أن يعبد الله ولا يشرك به شيئا

وقع في الأصول شيئا بالنصب

قلت هو صحيح على التردد في قوله يعبد الله ولا يشرك به بين وجوه ثلاثة

أحدها يعبد الله بفتح الياء التي للمذكر الغائب أي يعبد العبد الله ولا يشرك به شيئا وهذا أوجه الوجوه

الثاني تعبد بالتاء التي هي للمخاطب على التخصيص لمعاذ لكونه المخاطب والتثنية به على غيره

الثالث يعبد بضم أوله على ما لم يسم فاعله ويكون قوله شيئا كناية عن المصدر لا عن المفعول به

أي لا يشرك به إشراكا وتكون الجار والمجرور في قوله به هو القائم مقام الفاعل وإذ لم تعين الرواة شيئا من هذه الوجوه فحق على من يروي هذا الحديث منا أن ينطق بها كلها واحدا بعد واحد ليكون آتيا بما هو المقول منها في نفس الأمر جزما والله أعلم

قول أبي هريرة رضي الله عنه فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة والربيع الجدول فاحتفرت كما يحتفر الثعلب فدخلت على رسول الله ﷺ

فقوله من بئر خارجة هو بالتنوين في خارجة وكذا في الأصل الذي هو بخط أبي عامر العبدري وفي الأصل المأخوذ عن الجلودي

وأخبرني الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بقراءتي عليه عن الحافظ المتقن أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني الأصبهاني رحمه الله قال قوله من بئر خارجة يروى على وجوه

يقال من بئر خارجة وبئر خارجة بئر معروف منسوبة إلى خارجة

فالرواية الثانية التي ذكرها أبو موسى هي بإضافة خارج إلى هاء الضمير أي البئر في موضع خارج عن الحائط

والرواية الثالثة البئر فيها منسوبة إلى رجل اسمه خارجة والله أعلم

قوله الربيع الجدول فالربيع هو على لفظ الربيع الزماني

والجدول هو النهر الصغير وقوله فاحتفرت هو بالراء المهملة محققا في الأصل المأخوذ عن الجلودي والأصل الذي بخط العبدري وهي الرواية الأكثر

ورواه بعضهم بالزاي المنقوطة وكذلك وجدته في كتاب أبي نعيم المخرج على هذا الكتاب في الأصل المأخوذ عنه ومعناه تضاممت وهذا أقرب من حيث المعنى ويدل عليه تشبيهه بفعل الثعلب وهو تضامه للدخول في المضايق والله أعلم

قوله بين ظهرينا وهو بفتح الراء وإسكان الياء بعدها قال الأصمعي وغيره يقال بين ظهريهم وظهرانيهم أي بفتح النون معناه بينهم وبين أظهرهم وهو في بعض النسخ بين أظهرنا والله أعلم

قول أبي هريرة فأجهشت بكاء يقال جهشت وأجهشت جهشا وإجهاشا وهو فيما ذكره أبو عبيد وغيره أن يفزع الناس إلى غيره وهو مع فزعه كأنه يريد البكاء كالصبي يفزع إلى أمه وأبيه وقد تهيأ للبكاء

وزاد بعضهم بيانا فقال هو أن يفزع إلى آخر وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد وقوله بكاء مفعول له وقد جاء في حديث فأجهشت للبكاء والله أعلم

قوله وركبني عمر وإذا هو على أثري أي لحقني في الوقت من غير تمهل وقوله أثري يقال بفتح الهمزة والثاء جمعيا وبكسر الهمزة وإسكان الثاء والله أعلم

قلت ودخول أبي هريرة الحائط من غير إذن صاحبه على ما دل عليه ظاهر الحال مع تقرير النبي ﷺ إياه على ذلك يدل على جواز مثل ذلك عند العلم برضى المالك وإن لم يتلفظ بالإذن

وضربة عمر المفضية إلى سقوط أبي هريرة يحمل على أنه دفع في صدره ليرده فانصدم لإسراعه أو نحو ذلك فوقع من غير تعمد من عمر لذلك وهي واقعة عين ووقائع الأعيان تتردد بين ضروب من الاحتمالات والله أعلم

قوله لبيك وسعديك فيه لأهل العربية واللغة أقوال

فقيل معنى لبيك إجابة لك بعد إجابة

وقيل لزوما لطاعتك وإقامة عليها بعد إقامة من قولهم ألب بالمكان ولب به إذا أقام به ولزمه

ومعنى سعديك إسعادا لك بعد إسعاد والإسعاد الإعانة والتثنية فيهما للتكرير والتأكيد والله أعلم

قول مسلم رحمه الله وإيانا حدثنا شيبان بن فروخ

ففروخ هو بفتح الفاء وتشديد الراء وبالخاء المنقوطة وهو عجمي غير منصرف وقد ذكر صاحب كتاب العين اسم ابن لإبراهيم ﷺ هو أبو العجم والله أعلم

وعتبان بن مالك بكسر العين على مثال عمران والله أعلم

مالك بن الدخشم هو من الأنصار حكى أبو عمر بن عبد البر اختلافا في شهوده العقبة وقال لم يختلفوا أنه شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وقال لا يصح عنه النفاق وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من إتهامه

قلت وهو ابن الدخشم بدال مهملة مضمومة ثم خاء معجمة ساكنة ثم شين مثلثة مضمومة ثم ميم وقيل فيه الدخشن بالنون ويقال أيضا الدخشن بكسر الدال وكسر الشين وجاء مصغرا ومكبرا فيهما غير أن الواقع فيه في روايتنا في كتاب مسلم وفي أصولنا به في رواية مسلم الأولى بالميم مكبرا وهو في أكثرها بغير ألف ولام في هذه الرواية

وهو فيها في الرواية الثانية مصغرا وبالميم أيضا وبالألف واللام إلا في أصل أبي حازم الحافظ بخطه فإنه مكبر فيه في الثانية أيضا والله أعلم

قوله يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك معناه إنهم تحدثوا وشكوا ما يلقون من المنافقين ونسبوا معظم ذلك إلى مالك

وعظم ذلك هو بضم العين وإسكان الظاء أي معظمه

وكبره بمعنى ذلك وهو بضم الكاف ويجوز بكسرها والله أعلم

وما في الحديث من أن من أتى بالشهادتين لا يدخل النار قد قال الزهري فيه ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى أن الأمر انتهى إليها فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر

وهذا غير مقنع فقد كانت الصلاة وغيرها من الفرائض نزلت قبل ذلك ومعنى الحديث ما سبق في حديث معاذ والله أعلم

أبو عامر العقدي هو بالعين المهملة والقاف المفتوحين واسمه عبد الملك بن عمرو

والعقد بطن من بجيلة وقيل بطن من قيس وروى عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي فقال حدثنا أبو عامر القيسي والله أعلم

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال الإيمان بضع وسبعون شعبة

فالبضع هو بكسر الباء ويقال أيضا بفتحها وكذا البضعة في قولنا بضعة عشر وشبه ذلك

واختلف في ذلك أئمة اللغة وفي بعض تفسيرهم له إشكال أنا أوضحه إن شاء الله تعالى

فقيل هو من ثلاث إلى تسع وهذا هو الأشهر

وقيل ما بين اثنين إلى عشر والظاهر أن هذا تفسير للأول

فيكون البضع مستعملا في الثلاث دون ما قبله غير مستعمل في العشر

وقيل ما هو بين الثلاث إلى العشر والظاهر أن هذا هو ما حكاه أبو عمر الزاهد اللغوي أنه من أربع إلى تسع

وكذا قول الفراء إنه ما بين الثلاثة إلى ما دون العشرة

فعلى هذا لا يستعمل في الثلاث ولا في العشر أيضا

وقد بلغ بالبضع المذكور في هذا الحديث بعض من فصل شعب الإيمان سبعا أو تسعا والله أعلم

وقوله شعبة أي خصلة وأصله من الشعبة بمعنى القطعة

ثم إن مسلما روى هذا الحديث من حديث سهيل بن أبي صالح عن عبدالله ابن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة على الشك فقال بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة

وهذا الشك فيما ذكره أبو بكر البيهقي الحافظ وقع من سهيل وقد روي عن سهيل بضع وسبعون من غير شك قطعا بالأكثر أخرجه أبو داود في كتابه

وأما سليمان بن بلال فإنه رواه عن عبدالله بن دينار على القطع من غير شك

وهي الرواية الصحيحة أخرجاها في الصحيحين

غير أنها فيما عندنا من كتاب مسلم بضع وسبعون قطعا بالأكثر وهي فيما عندنا من كتاب البخاري بضع وستون قطعا بالأقل

وقد نقلت كل واحدة منهما عن كل واحد من الكتابين ولا إشكال في أن كل واحدة منهما رواية معروفة في روايات هذا الحديث

واختلفوا في الترجيح بينهما والأشبه بالإتقان والاحتياط ترجيح رواية الأقل ومنهم من رجح رواية الأكثر وإياها اختار الإمام أبو عبد الله الحليمي فإن الحكم لمن حفظ الزيادة جازما بها

ثم إن الكلام في تعيين هذه الشعب يتشعب ويطول وقد صنفت في ذلك مصنفات من اغزرها فوائد كتاب المنهاج لأبي عبد الله الحليمي إمام الشافعيين ببخارى وكان من رفعاء أئمة المسلمين

وحذا حذوه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي في كتابه الجليل الحفيل كتاب شعب الإيمان وعينت شعب كثيرة منها الاستنباط والاجتهاد والقطع على مراد رسول الله ﷺ في كثير منها عسر صعب وقد ضبطت ما أمليته من وجوه الاختلاف في ذلك حديثا ولغة ضبطا متينا عزيزا ولله الحمد وهو أعلم

قوله ﷺ الحياء من الإيمان:

وجهه أن ما كان منه تخلقا فهو عمل يكتسب كسائر أعمال الإيمان وما كان منه غريزة وطبعا فهو منشأ لأعمال كثيرة من أعمال الإيمان وهذا الحيآء ممدود وترك المد فيه لحن يحيل المعنى فإنه من غير مد عبارة عن المطر وعن الخصب أيضا والله أعلم

حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ الحيآء لا يأتي إلا بخير وفي رواية الحياء خير كله

قول بشير بن كعب لعمران إنا نجد في بعض الكتب إن منه ضعفا وإنكار عمران وغضبه عليه في ذلك قد يختلج في النفس منه شيء من جهة أن صاحب الحيآء قد يستحي ان يواجه بالحق من يجله فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر

وقد يخل بحق عليه لعارض من الحياء اعترض وليس من الخبر وهذا مندفع لأن ذلك إنما هو خور وعجز ومهانة وليس من الحياء إنما الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحو هذا وقد روينا عن الجنيد رضي الله عنه أنه سئل عن الحياء فقال رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد من بينهما حالة تسمى الحياء

وقوله حتى احمرتا عيناه كذا وقع وكذا رويناه وهو على لغة من قال أكلوني البراغيث أو على البدل كما في قوله تبارك وتعالى وأسروا النجوى الذين ظلموا والله أعلم

رواة حديث عمران عنه في الكتاب أحدهم أبو السوار بفتح السين وتشديد الواو وهو العدوي بصري ذكر البخاري وغيره أن اسمه حسان بن حريث وعرفه البخاري بروايته لهذا الحديث

وأبو قتادة وهو العدوي بصري اسمه تميم بن نذير بضم النون وفتح الدال المنقوطة وفي اسمه واسم أبيه اختلاف والله أعلم

وحجير بن الربيع العدوي بحاء مهملة في أوله مضمومة وراء مهملة في آخره

والراوي عنه أبو نعامة العدوي بصري اسمه عمرو بن عيسى وهو من الثقات الذين اختلطوا قبل موتهم والله أعلم

أبو نجيد كنية عمران بنون مضمومة في أوله ثم جيم وفي آخره دال مهملة وهو مصغر بشير بن كعب المذكور عدوي بصري وهو بضم الباء الموحدة وفتح الشين وليس في الصحيحين بهذا الاسم سواه وسوى بشير بن يسار والله أعلم

أبو الخير الراوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص هو مرثد بالثاء المثلثة ابن عبد الله اليزني المهري الحميري المصري ويزن بالياء المثناة من تحت والزاي المنقوطة المفتوحتين ومهرة قبيلتان من حمير والله أعلم

قوله ﷺ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

المراد به المسلم الكامل والأفضل من سلموا منه وهذا من ألفاظ الحصر التي تطلق على الكامل والمراد بها نفي الكمال عن ضد المذكور لا نفي حقيقة ذلك من أصله عن ضده كما يقال العلم ما نفع أو لا علم إلا ما نفع في نظائر لذلك كثيرة

وقد أفصح عن صحة ما ذكرناه قوله في الرواية الأخرى سئل رسول الله ﷺ أي المسلمين أفضل فقال من سلم المسلمون من لسانه ويده

ثم إن المراد بذلك من لم يؤذ مسلما بقول ولا فعل وخص اليد بالذكر لأن معظم الأفعال بها تكون والله أعلم

ثم كمال الإسلام والمسلم متعلق بما ذكر ويغيره من خصال أخر كثيرة معلومة وخص ﷺ في جواب السائل المذكور السلامة من اللسان واليد بالذكر وخص في جواب السائل المذكور في الحديث الذي قبله بالذكر إطعام الطعام وإفشاء السلام وذلك على حسب الحاجة إلى البيان بالنظر إلى حال السائل وباعتبار الحالة الراهنة فاعلم ذلك والله أعلم

بريد بن عبد الله هو بباء موحدة مضمومة في أوله وبعدها راء مهملة يكنى أبا بردة وهو أبو بردة ابن عبد الله المذكور في الإسناد الذي قبله وجده أبو بردة بن أبي موسى الأشعري اسمه عند الأكثرين عامر وعند يحيى بن معين أن اسمه الحارث والله أعلم

قوله حدثنا شيبان بن أبي شيبة وهو شيبان بن فروخ الذي حدث عنه في غير موضع والله أعلم

وروى مسلم حديث أنس أن النبي ﷺ قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه

ورواه البخاري حتى يحب لأخيه فحسب من غير شك

وهذا قد يعد من الصعب الممتنع وليس كذلك إذ معناه والله أعلم لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا ينقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم وإنما يعسر على القلب الدغل عافانا الله وإخواننا أجمعين آمين

وقد روينا عن أبي محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه إمام المالكية بالمغرب الأدنى رحمه الله أنه قال جماع آداب الخير وأزمته تتفرع من أربعة أحاديث قول النبي ﷺ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

وقوله ﷺ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

وقوله للذي اختصر له في الوصية لا تغضب

وقوله المؤمن يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه والله أعلم

قوله ﷺ لا يدخل الجنة من لا يؤمن جاره بوائقه أي غوائله ودواهيه وشروره وهي جمع بائقة

ومعنى قوله لا يدخل الجنة مع ما ثبت من أن كل مسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن دخل النار إنه يدخلها وقت دخول أهلها إليها وإذا فتحت أبوابها للمتقين إلا أن يعفو الله تبارك وتعالى

وقوله فلا يؤذي جاره كذا وقع وكذا رويناه بإثبات الياء على لفظ الخبر وقد جاء مثله في كثير من الأحاديث

والمراد النهي ويأتي ذلك أيضا بلفظ النهي والجميع سائغ والله أعلم

روى مسلم حديث أبي سعيد الخدري من رأى منكم منكرا فليغيره

وقال حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري ح وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري

فقوله وعن قيس بن مسلم معطوف على قوله عن إسماعيل أي رواه الأعمش عن إسماعيل وقيس والله أعلم

روى مسلم بإسناده عن صالح بن كيسان عن الحارث بن فضيل بإسناده عن أبي رافع عن عبد الله بن مسعود ما اختصاره أن رسول الله ﷺ قال ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل

قال أبو رافع فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره علي فقدم ابن مسعود فنزل بفنائه فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر قال فلما جلسنا سألت ابن مسعود فحدثنيه كما حدثت ابن عمر

قال صالح وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع

فقوله حواريون قيل حواريوا الأنبياء أنصارهم وقيل هم خلصانهم وأصفياؤهم وقيل هم المجاهدون وقيل الذين يصلحون للخلافة بعدهم

وسنعود إن شاء الله تبارك وتعالى إلى الكلام فيه

وقوله ثم إنها تخلف هذا الضمير هو ضمير القصد والشأن وقوله خلوف بضم الخاء جمع خلف بسكون اللام وهو الخالف بشر وهو بفتح اللام بخير وقد حكى غير واحد الوجهين معا فيهما والله أعلم

وقوله فنزل بفنائه بكسر الفاء وبالمد وجمعه أفنية وهي ما بين أيدي المنازل والدور من البراح هكذا وقع في روايتنا في هذا الكتاب

وفي كتاب أبي عوانة الإسفراييني المخرج عليه وهي رواية أكثر رواة الكتاب وفي رواية أبي الفتح السمرقندي الشاشي بقناة بالقاف على لفظ قناة الرمح

وكذا رواه أبو عبد الله الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين

وكذا كان في أصل الحافظ أبي عامر العبدري بخطه وهو برواية السمرقندي وفي أصل الحافظ أبي القاسم العساكري وكان هذا منه أولا على رواية السمرقندي ثم غير ذلك فيهما جعل بفنائه وقناة بالقاف وهو الأشبه

وقد ذهب القاضي أبو الفضل اليحصبي إلى أن الأول وإن كان رواية الجمهور فهو خطأ وتصحيف وإنما هو قناة وهو اسم واد من أودية المدينة عليه حرث ومال من أموالها والله أعلم

قول صالح وقد تحدث بنحو ذلك هو بضم المثناة من فوق وفيه إشعار بأن الحارث بن فضيل قد توبع على ذلك والله أعلم

قوله الرواية الأخرى يهتدون بهديه هو بفتح الهاء وإسكان الدال أي بطريقته وسمته والله أعلم

قول مسلم اجتماع ابن عمر معه وهذا مما أنكره صاحب درة الغواص في أوهام الخواص وقال لا يقال اجتمع فلان مع فلان وإنما اجتمع فلان وفلان والله أعلم

ثم إن هذا الحديث مما انفرد به مسلم عن البخاري وقد أنكره أحمد بن حنبل فيما بلغنا عن أبي داود السجستاني في مسائله عن أحمد قال الحارث بن فضيل ليس بمحفوظ الحديث وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود وذكر أحمد قوله ﷺ اصبروا حتى تلقوني

قلت قد روى عن الحارث هذا جماعة من الثقات ولم نجد له ذكرا في كتب الضعفاء وفي كتاب ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه ثقة

ثم إن الحارث لم ينفرد به بل توبع عليه على ما أشعر به كلام صالح بن كيسان المذكور وذكر الإمام الدارقطني في كتاب العلل إن هذا الحديث قد روي من وجوه أخر منها عن أبي واقد الليثي عن ابن مسعود عن رسول الله ﷺ

وأما قوله اصبروا فذلك حيث يلزم من ذلك إثارة الفتنة وسفك الدماء ونحو ذلك وما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين باليد واللسان فذلك حيث لا يلزم منه إثارة فتنة على أن لفظ هذا الحديث مسوق فيمن سبق من الأمم وليس في لفظه ذكر هذه الأمة والله أعلم

حديث أبي مسعود البدري أشار النبي ﷺ بيده نحو اليمن فقال ألا إن الإيمان ها هنا وأن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر

وفي رواية أبي هريرة جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية

وفي رواية هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا

وفي رواية هم ألين قلوبا وأرق أفئدة

وفي رواية مالك لحديث أبي هريرة رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم

وفي رواية جابر غلظ القلوب والجفاء في المشرق والإيمان في أهل الحجاز

أما ما ذكر من نسبة الإيمان إلى اليمن وأهله فقد صرفوه عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة ثم المدينة حرسهما الله

فحكى أبو عبيد إمام الغريب ثم من بعده في ذلك أقوالا

أحدها أن المراد بذلك مكة فإنه يقال إن مكة من تهامة ويقال إن تهامة من أرض اليمن

والثاني إن المراد مكة والمدينة فإنه يروى في الحديث أن النبي ﷺ قال هذا الكلام وهو يومئذ بتبوك ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة فقال الإيمان يمان ونسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذ من ناحية اليمن كما قالوا الركن اليماني وهو بمكة إلى ناحية اليمن

الثالث ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها عند أبي عبيد أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانون في الأصل فنسب إليهم لكونهم أنصاره

وأنا أقول والله الموفق لو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه كما جمعها مسلم وغيره وتأملوها لصاروا إلى غير ما ذكروه ولما تركوا الظاهر ولقضوا بأن المراد بذلك اليمن وأهل اليمن على ما هو مفهوم من إطلاق ذلك إذ من ألفاظه أتاكم أهل اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذا غيرهم

وكذلك قوله جاء أهل اليمن وإنما جاء حينئذ غير الأنصار ثم إنه وصفهم ﷺ بما يقضي بكمال إيمانهم ورتب عليه قوله الإيمان يمان فكان ذلك نسبة للإيمان إلى من أتاهم من أهل اليمن لا إلى مكة والمدينة

ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمله على أهل اليمن حقيقة لأن من اتصف بشيء وقوى قيامه به وتأكد اضطلاعه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارا بتميزه به وكمال حاله فيه

وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان وحال الوافدين منهم في حياته ﷺ وفي أعقاب موته كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني وأشباههما ممن سلم قبله وقوى إيمانه فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعارا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي لذلك عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله الإيمان في أهل الحجاز

ثم إن المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن اللفظ لا يقتضيه هذا والله أعلم

هذا هو الحق في ذلك ونشكر الله سبحانه على هدايتنا له والله أعلم

وأما ما ذكر من الفقه والحكمة فالفقه ها هنا هو عبارة عن الفهم في الدين واصطلح بعد ذلك الفقهاء والأصوليون على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها

وأما الحكمة ففيها أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائليها على بعض صفات الحكمة وقد صفا لنا منها إن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك

أخبرنا الشيخ أبو الحسن بن محمد النيسابوري قراءة عليه بها ونقلت من أصل سماعه وكان أصيلا قال أخبرنا جدي لأمي أبو محمد العباس بن محمد العصاري قال حدثنا القاضي أبو سعيد محمد بن سعيد لفظا قال أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي قال سمعت أبا الحسن علي بن الحارث البياري قال سمعت أبا سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي سمعت أبا بكر محمد بن الحسن الدريدي يقول كل كلمة وعظتك في آخرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم ومنه قول النبي ﷺ إن من الشعر حكمة وجاء في بعض الألفاظ حكما والله أعلم

قوله يمان ويمانية هو بالتخفيف من غير تشديد للياء عند جماهير أهل العربية لآن الألف المزيدة فيه عوض من ياء النسب المشددة فلا يجمع بينهما

وقال ابن السيد في كتابه الاقتضاب في شرح أدب الكتاب حكى أبو العباس المبرد وغيره أن التشديد لغة

قلت وهذا غريب وإن كان هو المشهور المستعمل عند من لا عناية له بعلم العربية وقوله ألين قلوبا وأرق أفئدة فالمشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى هذا يكون قد كرر ذكر القلب مرتين بلفظين وهو أولى من تكريره بلفظ واحد

وقيل الفؤاد غير القلب وهو عين القلب

وقيل الفؤاد باطن القلب

وقيل هو غشاء القلب

وأما وصفها بالرقة واللين والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التي وصف بها قلوب الآخرين والله أعلم

وأما قوله في الفدادين فزعم أبو عمرو هو الشيباني أنها بتخفيف الدال وهي جمع فدان بتشديد الدال وهو عبارة عن البقر التي يحرث عليها حكاه عنه أبو عبيد وأنكره عليه

وعلى هذا فالمراد بذلك أصحابها فحذف ذلك

والصواب الفدادون بتشديد الدال جمع فداد بدالين أولاهما مشددة وهذا قول أهل الحديث وجمهور أهل اللغة الأصمعي وغيره وهو من الفديد وهو الصوت الشديد فهم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم ونحو ذلك

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى هم المكثرون من الإبل الذي يملك أحدهم المائتين منها إلى الألف والله أعلم

قلت وقوله في رواية أبي مسعود إن القسوة في الفدادين عند أصول أذناب الإبل معناه الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم لها وقوله حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر فقوله في ربيعة ومضر بدل من قوله في الفدادين أي القسوة في ربيعة ومضر الفدادين والله أعلم

وقرنا الشيطان جانب رأسه وقيل هما جمعاه اللذان يغريهما بإضلال الناس وقيل شيعتاه من الكفار

والمراد بذلك اختصاص المشرق بمزيد من تسلط الشيطان ومن الكفر كما قالوا في الحديث الآخر رأس الكفر نحو المشرق

وكان ذلك في عهده ﷺ حين قال ذلك ويكون حين يخرج الدجال من المشرق وهو فيما بين ذلك منشأ للفتن العظيمة ومثار للكفرة الترك العابثة العاتية الشديدة البأس والله أعلم

وقوله الفخر والخيلاء فالفخر هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظما

والخيلاء الكبر واحتقار الناس

وقوله في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر فالوبر وإن كان من الإبل دون الخيل فليس بممتنع أن يكون قد وصفهم بكونهم جامعين بين الخيل والإبل والوبر وقوله والسكينة في أهل الغنم أي الطمأنينة والسكون على خلاف ما ذكر من صفة الفدادين والله أعلم

صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح

مقدمة | الفصل الأول | الفصل الثاني | الفصل الثالث | الفصل الرابع | الفصل الخامس | الفصل السادس | الفصل السابع | الفصل الثامن | الفصل التاسع | الفصل العاشر | تنبيهات | أحاديث الإيمان: 1 | 2 | 3 | 4 | أحاديث النهي عن الاستمطار بالأنواء | أحاديث ذكرها مسلم في ذم الكبر أعاذنا الله منه

ت

2-صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان/2 /ابن الصلاحصيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان

صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان/2 /ابن الصلاحصيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان 
 
== قول أبي جمرة في الرواية الثانية كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين الناس، كذا وقع فيما عندنا وفيه حذف وتقديره بين يدي ابن عباس بينه وبين الناس

وقوله أترجم فيه أنه كان يتكلم بالفارسية فكان يترجم لابن عباس عن من يتكلم بها،

وعندي أن معناه أنه كان يبلغ كلام ابن عباس إلى من خفي عليه من الناس إما لزحام منع من سماعه فأسمعهم وإما لاختصار منع من فهمه فأفهمهم أو نحو ذلك وإطلاقه ذكر الناس يشعر بهذا ويبعد أن يكون المراد به الفرس خاصة وليست الترجمة مخصوصة بتفسير لغة أخرى وقد أطلقوا على قولهم باب كذا وكذا اسم الترجمة لكونه يعبر عن ما يذكر بعده والله أعلم

وقوله ﷺ مرحبا بالقوم غير خزايا ولا الندامى هكذا وقع ها هنا بالألف واللام في الندامى وإسقاطهما في خزايا وقد روي بإثباتهما فيهما وبإسقاطهما فيهما

فقوله خزايا جمع خزيان كحيارى جمع حيران وهو إما من قولهم خزي الرجل خزاية إذا استحيى وإما من قولهم خزي خزيا إذا ذل وهان والأول اختيار أبي عبيد الهروي صاحب الغريبين

وقوله ولا الندامى قطع بعضهم بأنه جمع نادم وزعم انه جاز جمعه بهذه الصيغة على خلاف القياس اتباعا لخزايا ولو أفرد لم يجز فيه ذلك ومن نظائره قولهم إني لآتيه بالغدايا والعشايا فجمعهم الغداء غدايا كان اتباعا للعشايا ولو أفرد لم يجز ويجوز أن يكون جمع ندمان بمعنى نادم لا بمعنى نديم كما هو الأشهر فقد حكى صاحب جامع اللغة وصاحب صحاح اللغة أنه يقال للنادم ندمان فعلى هذا يكون ذلك جمعا جاريا على الأصل ثم إن المقصود من هذا الكلام أنه لم يوجد منكم تأخر عن الإسلام ولا عناد ولا أصابكم أسار وسباء ولا ما أشبه ذلك مما تكونون لأجله مستحيين أو مهانيين ونادمين أو نحو هذا والله أعلم قوله قال وأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع قال أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال هل تدرون ما الإيمان بالله قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم

فقوله أمرهم بالإيمان بالله إعادة لذكر الأربع ووصف لها بأنها إيمان بالله ثم فسر الأربع بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم فهذا إذا موافق لقوله عليه السلام بني الإسلام على خمس ولتفسير الإسلام بخمس في حديث جبريل ﷺ على ما سبق تقديره من أن ما يسمى إسلاما يسمى إيمانا وأن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان وقد قيل إنما لم يذكر الحج في هذا الحديث لكونه لم يكن قد فرض حينئذ والله أعلم

وأما قوله أن تؤدوا خمسا فليس عطفا على قوله شهادة أن لا إله إلا الله فإنه يلزم منه أن يكون الأربع خمسا وإنما هو عطف على قوله وأمرهم بأربع فيكون مضاف إلى الأربع لا واحدا منها وإن كان واحدا من مطلق شعب الإيمان وحسن أن يقرأ وأن يؤدوا بياء المغايبة ويجوز بتاء المخاطبة

وأما عدم ذكر الصوم في الرواية الأولى فهو إغفال من الراوي وليس من الاختلاف الصادر من رسول الله ﷺ بل من اختلاف الرواة الصادر من تفاوتهم في الضبط والحفظ على ما تقدم بيانه فافهم ذلك وتدبره تجده إن شاء الله تعالى مما هدانا سبحانه لحله من العقد والعضل والله أعلم

قوله ﷺ وأخبروا به من ورائكم ضبطنا هذا الأول بكسر الميم من من

وقوله قال أبو بكر من ورائكم هذا هو بفتح الميم من من وهما يرجعان إلى معنى واحد والله أعلم

ومن الرواية الثالثة وما بعدها أشج عبد القيس اسمه المنذر بن عائد بالذال المنقوطة قطع به ابن عبد البر وغير واحد

وقيل وبالعكس عائد بن المنذر وقيل غير ذلك والأول أصح وأشهر وهو الأشج العصري من بني عصر بالعين والصاد المهملتين المفتوحتين والله أعلم

الأناة مقصورة على وزن الحصاة وهي التثبت والتأني والله أعلم

قوله وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك قيل إن اسمه جهم بن قثم بلغنا ذلك عن ابن أبي خيثمة وكانت الجراحة في ساقه والله أعلم

قولهم فيم نشرب يا رسول الله قال في أسقية الأدم التي يلاث هو بالثاء المثلثة أي يلف ويربط وصح في أكثر أصولنا بياء المضارعة التي هي للمذكر

وفي الأصل الذي بخط العبدري بالتاء التي هي للمؤنث والأول أقوى وتقديره ومعناه يلف الخيط على أفواهها ويربط به

وعلى الثاني الأسقية تلف على أفواهها

فقوله على افواهها يكون بدل بعض من الأسقية كما تقول ضربته على رأسه

ثم إن هذا تنبيه على أمر آخر خارج عن أمر الأوعية وهو ما جاء منصوصا عليه في غير هذا الحديث من أمره ﷺ بإيكاء السقاة مطلقا سواء كان الموكى فيه نبيذا أو ماءا أو غير ذلك وإذا هذا يرجع قوله ﷺ في الرواية الأخيرة وعليكم بالموكى أي بالسقاء الرقيق الذي يوكى أي يربط فوه بالوكى وهو الخيط الذي يربط به

وقوله الموكى مقصور لا همز فيه وإنما رخص في الأسقية لأنها لرقة جلودها لا يسرع الفساد إلى ما ينبذ فيها والله أعلم

قوله إن أرضنا كثير الجرذان صح في أصولنا كثير من غير تاء التأنيث

والتقدير فيه إن أرضنا مكان كثير الجرذان

ومن نظائره قول الله تبارك وتعالى إن رحمت الله قريب من المحسنين والله أعلم

قوله ﷺ وتذيفون فيه من القطيعاء روي بالدال المهملة وبالذال المعجمة وهما لغتان وكلاهما بفتح التاء، وهو من ذاف يذيف ثلاثيا

ورواه بعض رواة مسلم بضم التاء مع الذال المعجمة والمشهور فتحها وداف يدوف بالواو وإهمال الدال بمعنى ذلك صحيح معروف ومعنى ذاف الشيء خلطه بمائع وإهمال الدال فيه أعرف في اللغة والله أعلم

ثم إن مسلما حدث عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة أخبره وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد الخدري أخبره أن وفد عبد القيس لما أتوا النبي ﷺ

فقوله أن أبا نضرة وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد أخبره إحدى المعضلات ولا عضال ذلك وقع فيه تغييرات من جماعة واهمة فمن ذلك رواية أبي نعيم الأصبهاني الحافظ في مستخرجه على كتاب مسلم بإسناده أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد الخدري وهذا يلزم منه أن يكون أبو قزعة هو الذي أخبر أبا نضرة وحسنا عن أبي سعيد فيكون أبو قزعة هو الذي سمع من أبي سعيد ذلك

وذلك منتف والله أعلم

ومن ذلك أن أبا علي الغساني صاحب تقييد المهمل رد رواية مسلم هذه وقلده في ذلك صاحب المعلم ومن شأنه تقليده في ما يذكره من علم الأسانيد مع أنه لا يسميه ولا ينصفه وصوبهما في ذلك القاضي أبو الفضل عياض ابن موسى فقال أبو علي الصواب في الإسناد عن ابن جريج قال أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة وحسنا أخبراه أن أبا سعيد أخبره وذكر أنه إنما قال أخبره ولم يقل أخبرهما لأنه رد الضمير إلى أبي نضرة وحده وأسقط الحسن لموضع الإرسال فإنه لم يسمع من أبي سعيد الخدري ولم يلقه وذكر أنه بهذا اللفظ الذي ذكره خرجه أبو علي ابن السكن في مصنفه بإسناده قال وأظن هذا من إصلاح ابن السكن

وذكر الغساني أيضا أنه رواه كذلك أبو بكر البزار في مسنده الكبير بإسناده وحكى عنه وعن عبد الغني بن سعيد الحافظ أنهما ذكرا أن حسنا هذا هو الحسن البصري

وليس الأمر في ذلك على ما ذكروه بل ما أورده مسلم في هذا الإسناد هو الصواب وكما أورده رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن ابن جريج

وقد انتصر له الحافظ أبو موسى الأصبهاني وألف في ذلك كتابا لطيفا تبجح فيه بإجادته وإصابته مع وهم غير واحد من الحفاظ فيه

فذكر أن حسنا هذا هو الحسن بن مسلم بن يناق الذي روى عنه ابن جريج غير هذا الحديث وأن معنى هذا الكلام أن أبا نضرة أخبر بهذا الحديث أبا قزعة وحسن بن مسلم كليهما ثم أكد ذلك بأن أعاد فقال أخبرهما أن أبا سعيد أخبره يعني أبو سعيد أبا نضرة وهذا كما تقول أن زيدا جاءني وعمرا جاءاني فقالا كذا وكذا

وهذا من فصيح الكلام واحتج على أن حسنا فيه هو الحسن بن مسلم بأن سلمة بن شبيب وهو ثقة رواه عن عبد الرزاق وعن ابن جريج قال أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة أخبره وحسن بن مسلم أخبرهما أن أبا سعيد أخبره الحديث

رواه أبو الشيخ الحافظ في كتابه المخرج على صحيح مسلم

وقد أسقط أبو مسعود الدمشقي وغيره ذكر حسن أصلا من الإسناد لأن مع إشكاله لا مدخل له في رواية الحديث وذكر الحافظ أبو موسى ما حكاه أبو علي الغساني في كتابه تقييد المهمل في ذلك وبين بطلانه وبطلان رواية من غير الضمير في قوله أخبرهما وغير ذلك من تغيير ولقد أجاد وأحسن والله أعلم

أبو قزعة المذكور اسمه سويد بن حجير مصغرا اسم أبيه وفي آخره راء مهملة وقزعة بفتح الزاي قطع به صاحب تقييد المهمل

ووجد بخط ابن الأنباري بإسكانها وذكر ابن مكي في كتابه فيما تلحن فيه أن الإسكان هو الصواب والعلم عند الله تبارك وتعالى

حدث مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن وكيع بإسناد ذكره عن أبي معبد عن ابن عباس عن معاذ بن جبل ثم قال قال أبو بكر وربما قال وكيع عن ابن عباس أن معاذا قال بعثني رسول الله ﷺ

هذا فيه مسألة لطيفة من علم الحديث وهي أن قوله عن ابن عباس عن معاذ بن جبل يحمل على الاتصال ويفيد مطلقه سماع ابن عباس لذلك عن معاذ عند أئمة الحديث

وقوله إن معاذا هو دون ذلك في إفادة ذلك فإن فيهم جماعة جعلوه في حكم المنقطع والمرسل حتى يتبين فيه السماع وجمهورهم على أنه يحمل أيضا على الاتصال حتى يتبين فيه الإنقطاع وقد بينت المسألة في كتاب معرفة علوم الحديث

وأبو معبد المذكور هو مولى ابن عباس واسمه نافذ بالفاء والذال المعجمة وقد صحفه بعضهم

وما في حديث معاذ هذا من ذكر بعض دعائم الإسلام دون بعض هو من تقصير الراوي على ما بينته فيما سبق من نظائره والله أعلم

قوله حدثنا أمية بن بسطام العيشي بسطام هو بكسر الباء وهو عجمي لا ينصرف

قال ابن دريد ليس من كلام العرب وقد وجدته أنا في كتاب ابن الجواليقي في العجمي المعرب مصروفا وإنما يستقيم صرفه لو كان من العجمي الذي يدخله الألف واللام وذلك بعيد

والعيشي بياء مثناة من تحت وشين مثلثة وهو من بني عيش قبيلة هكذا يقوله المحدثون من غير ألف

وقال خليفة بن خياط وغيره هم بنو عايش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة فعلى هذا يكون ذلك من تخفيف النسب وتغاييره

وقد ذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ ثم أبو بكر الخطيب الحافظ أن العيشيين بالشين المثلثة بصريون والعبسيين بالباء الموحدة والسين المهملة كوفيون والعنسيين بالنون والسين المهملة شاميون وهذا على الغالب والله أعلم

عقيل الراوي عن الزهري هو بضم العين المهملة وبالقاف وهذا المعروف عند أهل الحديث وإنما نذكر مثل هذا تعليما لمن لم يعان هذا الشأن والله أعلم

قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ، لا يحمل العقال هذا على الذي يشد به البعير ويعقل فإنه غير واجب عليهم إلا أن يقال كني به عن ما يساوي عقالا من الزكاة وقد قال غير واحد من أئمة الفقه وغيرهم العقال ها هنا زكاة عام

قال الشاعر

سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

أراد مدة عقال فنصبه على الظرف وعمرو هذا هو عمرو بن عتبة بن أبي سفيان ولاه عمه معاوية على صدقات كلب فقال فيه قائلهم ذلك

وذكر أبو العباس المبرد في كتابه الكامل أن المصدق إذا أخذ من مال الصدقة ما فيه ولم يأخذ ثمنه قيل أخذ عقالا وإذا أخذ ثمنه قيل أخذ نقدا

قال الشاعر

أتانا أبو الخطاب يضرب طبله... فرد ولم يأخذ عقالا ولا نقدا

وذكر أن الصحيح في العقال المذكور تفسيره بهذا وليس ذلك عندنا بالصحيح والله أعلم

الدراوردي عبد العزيز بن محمد حروفه مهملة كلها وهو بدال مفتوحة ثم راء بعدها ألف ثم واو مفتوحة بعدها راء ساكنة ثم دال، والأثبت فيه انه نسب شاذ مسموع على غير القياس وأنه نسبة إلى درابجرد مدينة من فارس وهي بدال مهملة مفتوحة ثم راء بعدها ألف ثم باء موحدة مفتوحة ثم جيم مكسورة بعدها راء ساكنة ثم دال ومنهم من يثبت فيها بعد الدال الأولى ألفا أخرى

وما ذكرناه من كونه نسبه إلى داربجرد هو قول أهل العربية أو من ذكر ذلك منهم

وممن قاله من أهل الحديث الحافظان أبو حاتم بن حبان البستي وأبو نصر الكلاباذي

قال ابن حبان كان أبوه منها

وقال الكلاباذي كان جده منها

وقال أبو حاتم السجستاني اللغوي زعم الأصمعي أن الدراوردي الفقيه منسوب إلى درابجرد

قال أبو حاتم وهو منسوب على غير قياس بل هو خطأ وإنما الصواب درابي او جردي ودرابي أجود

قلت وليس من المرضي قول ابن قتيبة إنه منسوب إلى دراورد وكذا قول الكلاباذي دراوردي هي درابجرد لأن ذلك مشعر بأنه غير مخصوص بالنسب وهو به مخصوص

وقرأت بخط الحافظ أبي سعد السمعاني في كتابه الأنساب انه قد قيل إنه من أندرابة

قلت وهذا لائق بقول من يقول فيه الأندراوردي بزيادة همزة مفتوحة ونون ساكنة في أوله وهو قول أبي عبد الله البوشنجي من أئمة الحديث وأدباءهم

وأندرابة مدينة من عمل بلخ وقرية لمرو أيضا

أخبرني شيخنا المسند أبو الفتح منصور بن عبد المنعم حافد الفراوي بقراءتي عليه بنيسابور عن أبي جده أبي عبد الله الفراوي وغيره عن أبوي عثمان إسماعيل ابن عبد الرحمن الصابوني وسعيد بن محمد البحيري وأبي بكر البيهقي قالوا أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا بكر محمد بن جعفر يقول سمعت أبا عبد الله البوشنجي غير مرة يقول عبد العزيز بن محمد الأندراوردي والله أعلم

واقد بن محمد العمري بالقاف وليس في الصحيحين وافد بالفاء أصلا والله أعلم

حرملة بن يحيى التجيبي: شيخ مسلم منسوب إلى تجيب قبيلة من كندة بضم التاء المثناة من فوق في أوله وتفتح أيضا، وبالضم هو عند أصحاب الحديث وكثير من الأدباء ولم يجز فيه بعضهم إلا الفتح وليس ذلك بالقوي والله أعلم

وحرملة هذا هو صاحب الشافعي الذي يذكره أصحابه في مصنفاتهم والله أعلم

ذكر مسلم حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب ولم يرو عنه أحد إلا ابنه سعيد بن المسيب الفقيه الفاضل والمشهور فيه فتح الياء منه ووجدت أبا عامر العبدري الحافظ الأديب قد ضبطه بخطه بفتح الياء وبكسرها معا وهذا غريب مستطرف وكذلك ما حكاه القاضي عياض اليحصبي عن شيخه القاضى الحافظ أبي علي الصدفي عن ابن المديني قال عياض ووجدته بخط مكي بن عبد الرحمن كاتب أبي الحسن القابسي بسنده عن ابن المديني أن أهل العراق يفتحون ياءه واهل المدينة يكسرونها قال الصدفي وذكر لنا ان سعيدا كان يكره أن تفتح الياء من اسم أبيه

قال القاضي عياض وأما غير والد سعيد فبفتح الياء من غير خلاف منهم المسيب بن رافع والله أعلم

قول أبي طالب في رواية أبي هريرة لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك، الرواية المشهورة فيه بين أهل الحديث الجزع بالجيم والزاي المنقوطة وذكر غير واحد من مصنفي غريب الحديث وأهل اللغة أن الخرع بالخاء المعجمة والراء المهملة المفتوحتين منهم أبو عبيد الهروي وأبو القاسم الزمخشري وغيرهما

والخرع الضعف قال الأزهري وقيل الخرع الدهش

أخبرنا شيخنا أبو الفتح بن أبي المعالي الفراوي بنيسابور قراءة عليه قال أخبرنا جدي الإمام أبو عبد الله الفراوي أخبرنا أبو الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي أخبرنا الإمام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي رحمه الله قال ما نصه في قصة موت أبي طالب انه قال لولا أن تعيرني قريش فتقول أدركه الجزع لأقررت بها عينك

وكان أبو العباس ثعلب يقول إنما هو الخرع يعني الضعف والخور ذكره الخطابي هكذا مقتصرا عليه في فصل قال في ترجمته هذه ألفاظ من الحديث يرويها أكثر الرواة والمحدثين ملحونة ومحرفة اصلحناها لهم وفيها حروف تحتمل وجوها اخترنا منها أبينها وأوضحها

والله الموفق للصواب

ذكر مسلم حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة

هذا وسائر الأحاديث الواردة في معناه حجة على الخوارج القائلة بتكفيير مرتكبي الكبائر وتخليدهم في النار وعلى المعتزلة القائلة بتخليدهم فيها من غير تكفير ولا حجة فيه للمرجئة الزاعمة أنه لا يعذب مع الإسلام بمعصية كما لا ينجو مع الكفر بطاعة لأنه ليس فيه أكثر من إثبات أصل دخوله الجنة وكل مسلم يدخل الجنة وإن لبث في النار ما لبث والنصوص متظاهرة في إصلاء من لم يعف عنه من أهل الكبائر المسلمين نار جهنم عافانا الله الكريم سبحانه

وقوله وهو يعلم لا يحملنا على مخالفة الفقهاء وسائر أهل السنة في قولهم إنه لايصير مسلما بمجرد المعرفة بالقلب دون النطق بالشهادتين إذا كان قادرا عليه لأن اشتراط ذلك ثابت بينته أحاديث أخر منها حديث عبادة بن الصامت المذكور في الكتاب بعد هذا من قال أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخره برواياته

يبقى أن يقال كيف علق دخول الجنة بمجرد قول لا إله إلا الله وهو لا يصير مسلما ومن أهل الجنة بمجرد ذلك على ما لا يخفى

وجوابه أن من الجائز في هذا الحديث وأشباهه أن يكون ذلك اقتصارا من بعض الرواة نشأ في تقصيره في الحفظ والضبط لا من رسول الله ﷺ بدلالة مجيء تمام ذلك في غير ذلك من الروايات والأحاديث عن رسول الله ﷺ وقد قررنا نحو هذا فيما سبق

وجائز أن يكون اختصارا من رسول الله ﷺ فيما خاطب به كفار العرب عبدة الأوثان الذين كان توحيدهم لله تبارك وتعالى مضمونا بسائر ما يتوقف عليه الإسلام ومستلزما له والكافر إذا كان لا يقر بالوحدانية كالوثني والثنوي

فقال لا إله إلا الله وحاله الحال التي حكيناها حكم بإسلامه ولا نقول والحالة هذه ما قاله بعض أصحابنا من أن من قال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه ثم يجبر على قبول سائر الأحكام فإن حاصله راجع إلى أنه يجبر حينئذ على إتمام الإسلام ويجعل حكمه حكم المرتد إن لم يفعل من غير أن يصير بذلك مسلما في نفس الأمر وفي أحكام الآخرة والله أعلم

ومن وصفنا حاله مسلم في نفس الأمر وفي أحكام الآخرة والله اعلم وإذ وضح أنه لم يبق للمرجئة في حديث عثمان وأمثاله متمسك فوراءه أحاديث أوردها مسلم وغيره فيها إعضال وللمرجئة بها اغترار منها حديث عبادة بن الصامت وغيره من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار

ومنها حديث معاذ إن حقا على الله أن لا يعذب من لا يشرك به

وهذا كله يوجب بظاهره أن لا يدخل النار مسلم قط ولا سبيل إلى القول بذلك للنصوص التي لا يستطاع دفعها

وقد أجيب على ذلك بأجوبة منها ما حكي عن جماعة من السلف إن هذا كان قبل أن تنزل الفرائض وأحكام الأمر والنهي

ولسنا نرتضي هذا إذ منها ما يعلم بالنظر إلى حال الراوي له كونه بعد تنزل الأحكام

ومنها أن المراد منها من شهد بالشهادتين وأدى حقهما وفرائضهما حكي ذلك عن الحسن البصري ومنها قول من قال إن ذلك ورد فيمن قال عند التوبة ومات بعدها على ذلك

ولي في ذلك وجهان متجهان هما أقرب إلى ألفاظ الأحاديث والله الموفق العاصم

أحدهما أن معناها حرم الله عليه نار جهنم الخالدة وحق على الله أن لا يعذبه بالخلود فيها وحسن إطلاق ذلك بهذا المعنى لكونه واقعا في مقابلة الشرك الموجب للنار بوصف الخلود فتكون النار والعذاب المطلقان فيه راجعين إلى النار والعذاب بذلك الوصف الذي هو وصف الخلود

الثاني أن المراد فجزاءه تحريم النار عليه أو وأن لا يعذبه ثم قد لا يقع الجزء المعارض من المعصية منع منه وإطلاق ذلك كإطلاق ضده في ضده كما في قوله تبارك وتعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وقوله ﷺ فيمن قتل نفسه إنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا أي فجزاؤه ذلك ثم قد لا يجازى به لمعارض من العفو يمنع منه وقد يعبر الفقيه عن هذا المعنى بأن يقول المقصود بهذه الأحاديث إثبات كون الإسلام سببا لتحريم النار عليه والسبب قد يتخلف مسببه لمانع والله ورسوله أعلم بالمراد من ذلك

أخرج مسلم حديث عبيد الله الأشجعي عن مالك بن مغول عن طلحة ابن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال كنا مع رسول الله ﷺ في مسير قال فنفدت أزواد القوم قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم إلى آخره

هذا الحديث مما استدركه الدارقطني وعلله من جهة أن أبا أسامة وغيره رووه عن مالك بن مغول عن طلحة عن أبي صالح مرسلا

وقد أخرجه مسلم أيضا من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد فتكلم عليه الدارقطني أيضا وذكر أنه اختلف فيه على الأعمش فقيل فيه أيضا عنه عن أبي صالح عن جابر وكان الأعمش يشك فيه

وهذا الاستدراك من الدارقطني مع أكثر استدراكاته على الشيخين قدح في أسانيدهما غير مخرج لمتون الحديث من حيز الصحة

فذكر في هذا الحديث أبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي الحافظ فيما أجاب به الدارقطني عن استدراكاته على مسلم أن الأشجعي ثقة مجود فإذا جود ما قصر فيه غيره حكم له به ومع ذلك فالحديث له أصل ثابت عن رسول الله ﷺ برواية الأعمش له مسندا وبرواية يزيد بن أبي عبيد وإياس بن سلمة بن الأكوع عن سلمة

قلت رواه البخاري عن سلمة عن رسول الله ﷺ وأما شك الأعمش فهو غير قادح في متن الحديث فإنه شك في عين الصحابي الراوي له وذلك غير قادح لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم

قوله هم بنحر بعض حمائلهم هو في الأصل الذي هو بخط الحافظ أبي عامر العبدري وفي أصل أبي القاسم الدمشقي حمائلهم بالحاء المهملة محققا ولم يذكر القاضي عياض غير هذا

وفي الأصل المأخوذ عن الجلودي بالجيم والحاء مكتوبا عليه معا وهو بالجيم في تخريج أبي نعيم الحافظ على كتاب مسلم في أصل به معتمد مسموع عليه وفي حاشيته الجمائل جمع الجمالة وهي التي لا أناث فيها

فأقول كلاهما له وجه صحيح إما بالحاء فهو جمع حمولة بفتح الحاء وهي الإبل التي تحمل وعند أبي الهيثم اللغوي لا يقال في غير الإبل حمولة، وإما بالجيم فهو جمع جمالة بكسر الجيم جمع جمل ونظير حجر وحجارة والجمل هو الذكر دون الناقة فيما حكاه الأزهري عن الفراء وغيره والله أعلم

قوله في أثناء الحديث قال وقال مجاهدا وذو النواة بنواه حكي عن عبد الغني بن سعيد الحافظ أن طلحة بن مصرف هو الذي حكى ذلك عن مجاهد وقوله وذو النواة بنواه هو في أصولنا وغيرها الأول بهاء التأنيث والثاني بغيرها

فذكر القاضي عياض رحمه الله أن صوابه حذف تاء التأنيث في الموضعين

قلت وكذلك وجدته في كتاب أبي نعيم المخرج على صحيح مسلم بلا هاء في الكلمتين

والواقع في كتاب مسلم له عندي وجه صحيح وهو أن تجعل النواة عبارة عن جملة من النوى أفردت عن غيرها فتسمى الجملة المفردة الواحدة باسم النواة الواحدة كما أطلق اسم الكلمة الواحدة على القصيدة الواحدة أو تكون النواة من قبيل ما يستعمل في الواحد والجمع بلفظ واحد من الأسماء التي فيها علامة التأنيث نحو الحنوة وهي نبت طيب الريح على مثال العنوة والله أعلم

قوله يمصونه المعروف في اللغة فيه فتح الميم وحكى الأزهري ضمها عن بعض العرب وهو غريب والله أعلم عن بعض العرب وهو غريب والله أعلم

قوله حتى ملأ القوم أزودتهم هكذا الرواية فيه، والأزودة جمع زاد وهي لا تملأ إنما تملأ بها أوعيتها ووجهة عندي أن يكون المراد ملأ القوم أوعية أوزدتهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كما في قوله تعالى وسئل القرية أي أهل القرية

وبلغنا عن ابن جني أن في القرآن العظيم زهاء ألف موضع فيه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه

أو يكون ذلك من قبيل المقلوب الذي من أمثلته قول الشاعر

كانت فريضة ما تقول... كما كان الزناء فريضة الرجم

وليس هذا مخصوصا بضرورة الشعر كما زعم ابن قتيبة بل من عادات العرب قلبهم الكلام عند اتضاح المعنى توسعا في فنون المخاطبات ومما ذكروا من أمثلة قوله تعالى وقد بلغني الكبر أي بلغت الكبر فاعلم ذلك فإنه حرف مشكل لم أرهم شرحوه إلا ما كان من القاضي عياض فإنه ذكر فيه أنه يحتمل أنه سمى الأوعية بما فيها كما سميت الأسقية روايا بحاملتهاوإنما الروايا الإبل التي تحملها وسميت النساء ظغائن باسم الهوادج التي حملت فيها

وما قاله غير مسلم وتسمية الأسقية روايا من توليد العامة والأمر في الضغائن على عكس مما ذكره فإن صفة الظغن للنساء بالأصالة والله أعلم قوله في الرواية الأخرى نواضحنا فالنواضح من الإبل التي يستقى عليها الماء وهي جمع ناضحة للأنثى

قلت وتسمية الذكر ناضحة على المبالغة في الوصف قالوا للرجل الكثير الرواية رواية قياس تحتاج إلى مساعدة النقل عليه والله أعلم

قول عمر ادع الله لهم عليها بالبركة لعل الله يجعل في ذلك يعني خيرا أو بركة أو نحو ذلك فحذف المفعول للعلم به والله أعلم

داود بن رشيد بضم الراء من رشيد وإسكان الياء

وجنادة بضم الجيم

والصنابحي بضم أوله وياء النسب في آخره واسمه عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله

وحبان جد محمد بن يحيى بن حبان بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة وكل ذلك من المعروف بين اهل الحديث والمقصود تعريف الدخيل والله أعلم

هداب بن خالد شيخ مسلم على وزن عمار وهو المقول فيه هدبة بن خالد وأحدهما لقب وهدبة هو اللقب

وحكى الحافظ أبو الفضل الفلكي الهمذاني انه كان يغضب إذا قيل هدبة وقرأت بخط أبي محمد عبد الله بن الحسن الطبسي في كتابه في المؤتلف والمختلف أن هداب هو اللقب وليس هذا مما يركن إليه والله أعلم

صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح

مقدمة | الفصل الأول | الفصل الثاني | الفصل الثالث | الفصل الرابع | الفصل الخامس | الفصل السادس | الفصل السابع | الفصل الثامن | الفصل التاسع | الفصل العاشر | تنبيهات | أحاديث الإيمان: 1 | 2 | 3 | 4 | أحاديث النهي عن الاستمطار بالأنواء | أحاديث ذكرها مسلم في ذم الكبر أعاذنا الله منه

1.صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان/1-ابن الصلاح





[أغلق]
* اقرأ * * نزّل * استشهد * شارك في ويكي مصدر *



صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان/1-ابن الصلاح 
 
  صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

أحاديث الإيمان

أولها حديث يحيى بن يعمر عن أبيه رضي الله عنهما تفرد مسلم عن البخاري بإخراجه في الصحيح واتفقا على إخراج حديث أبي هريرة الآتي الوارد في معناه وهو حديث عظيم القدر عده بعضهم في الأحاديث التي مدار الدين عليها

فقول يحيى بن يعمر يتقفرون العلم وهو بتقديم القاف على الفاء هذا هو الثابت في أصولنا وفي روايتنا وهو الرواية المشهورة فيه ومعناه يطلبونه ويتتبعونه وقيل معناه يجمعوه

ومنهم من رواة بتقديم الفاء عل القاف أي يبحثون عن غامضه ويستخرجون خفيه

وقوله وذكر من شأنهم ليس من قول يحيى بن يعمر وإنما هو من قول بعض من هو دونه من الرواة أي وذكر يحيى من شأن المذكورين غير ذلك

وما حكاه عن القدرية من قولهم إن الأمر أنف هو بضم الهمزة والنون معا أي مستأنف لم يسبق به سابق قدر ولا علم من الله تبارك وتعالى وهو مذهب غلاة القدرية وكذبوا وضلوا

وقول عمر لا نرى عليه أثر السفر، هو في أصل الحافظ أبي حازم العبدوي بخطه نرى بالنون والله أعلم قوله ﷺ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وقوله في الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره

فهذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن إذ قوله أن تؤمن معناه أن تصدق وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والصوم والحج لأنها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له

ولهذا فسر ﷺ الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس من المغنم

ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو ترك فريضة لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد

ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في مثل قوله ﷺ لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن

واسم الإسلام يتناول أيضا ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ويتناول سائر الطاعات فإن ذلك كله استسلام أيضا

فخرج مما ذكرناه وحققناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان وأن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا

فهذا والحمد لله الهادي تحقيق واف بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون

قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله وكان أحد المحققين ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة وما حققناه من ذلك موافق لمذاهب جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم والله أعلم

وتفسيره ﷺ الإحسان راجع إلى الإخلاص ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في عبادته وتمام الخشوع والخضوع رزقنا الله ذلك

وقوله أن تلد الأمة ربتها وفي الحديث بعده ربها معناه سيدتها وسيدها وهو إخبار عن كثرة أولاد السراري حينئذ إذ ولدها من سيدها بمنزلة سيدها

وقيل معناه أن تلد الإماء الملوك

والعالة هم الفقراء وفي رواية رويناها أنه سأله عنهم فقال العريب وهو تصغير العرب والمفهوم منه أهل البادية منهم أي أنهم يصيرون ملوكا ويتباهون في البناء

وقوله فلبثت مليا أي وقتا طويلا وروى الترمذي أنه قال له ذلك بعد ثلاث

وقول مسلم حدثني محمد بن عبيد الغبري هو بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة مفتوحة ثم راء مهملة منسوب إلى غبر بن غنم بطن من يشكر بن بكر بن وائل والله أعلم

حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيه جمع في تفسير الإيمان بين الإيمان بلقاء الله والإيمان بالبعث الآخر ووجهه أن لقاه تعالى يحصل بالإنتقال من الدنيا إلى دار الجزاء وذلك يتقدم على البعث

وقيل إن ذلك عبارة عن ما يكون بعد البعث عند الحساب

وأما وصف البعث بالآخر فقد قيل فيه هو مبالغة في البيان وأيضا فخروجه من الدنيا بعث أول

قلت وهذا بعيد فإن خروجه منها واقع بالموت وهو ضد البعث ووجهه عندي أن البعث حياة ثانية بعد حياة أولى ونشأة أخرة بعد نشأة أولى والله أعلم

قوله وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها فالبهم بفتح الباء أولاد الضأن عند بعضهم وقيل أولاد الضأن والمعز جميعا

وأشراط الساعة أوائلها ومقدماتها وقيل علاماتها واحدها شرط بفتح الشين والراء والله أعلم

قوله في الرواية الأخرى إذا ولدت الأمة بعلها معناه أيضا ربها أي سيدها على ما سبق تفسيره فقد ورد في اللغة بعل الشيء بمعنى ربه ومالكه والله أعلم

وقوله في رواية أخرى وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض أي الجهلة والله أعلم

حديث طلحة رضي الله عنه قوله فيه رجل ثائر الرأس بالثاء المثلثة أي قائم شعر الرأس منتفشه

وقوله نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، هو بالنون في نسمع ونفقه كذلك هو فيما عندنا من الأصول الأربعة السابقة نسبتها عن الجلودي وعن الحفاظ أبي حازم العبدوي وأبي عامر العبدري وأبي القاسم العساكري

غير أن في بعضها اقتصارا على ذلك في إحدى الكلمتين

ودوي صوته بفتح الدال المهملة وهو علوه وبعده في الهواء وقوله إلا أن تطوع محتمل لتشديد الطاء على إدغام إحدى التائين وبغير تشديد الطاء على حذف إحدى التائين تحقيقا على ما عرف في أمثاله

وقوله فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله ﷺ أفلح إن صدق

هذا الفلاح راجع إلى قوله لا انقص خاصة إذ من المعلوم عند كل من يعقل من أعرابي وعربي وعامي وخاصي أن الفلاح لا يناط بترك ما زاد على ذلك من نوافل الخيرات والطاعات وللعلم بذلك أطلق رسول الله ﷺ قوله ذلك ولم يقيده

وقوله في رواية أخرى أفلح وأبيه إن صدق ليس حلفا بأبيه وإنما هذه كلمة جرت عادة العرب بأنهم يبدؤون بها كلامهم من غير قصد لقسم محقق والله أعلم

ثم انه يشكل على غير اليقظ المتأمل أنه ذكر في تفسير الإسلام في هذا الحديث الصلوات الخمس والصوم والزكاة فحسب دون سائر ما ذكر في تفسير الإسلام في حديث جبريل ﷺ وكذلك لم يذكر الحج في حديث جبريل ﷺ من رواية أبي هريرة وهكذا أحاديث أخر في هذا الصحيح وغيره تفاوت في عدد الخصال زيادة ونقصا والمفسر واحد

فأقول والله الموفق إن ذلك ليس باختلاف صادر من رسول الله ﷺ بل ذلك ناشىء من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا إثبات وإن كان اقتصاره على ما ذكره يشعر بأن ذلك هو الكل فقد بان بما أتى به غيره من الثقات إن ذلك ليس بالكل وإن اقتصاره عليه لقصور حفظه عن تمامه

ألا ترى حديث النعمان بن قوقل الآتي ذكره في الكتاب قريبا اختلفت الروايات في خصاله بالزيادة والنقصان مع أن راوي الجميع راو واحد وهو جابر في قضية واحدة

ثم إن البخاري روى في صحيحه في حديث طلحة المذكور بعينه في رواية له فأخبره رسول الله ﷺ بشرائع الإسلام فقال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فبان بهذا صحة ما ذكرناه وللفظ هذه الرواية أعرضنا عن قول من قال في قوله لا أزيد على هذا ولا أنقص إنه ليس معناه أنه لا يتنفل بل معناه لا يزيد في المفترض بأن يفترض على نفسه ما لم يفترضه الله تعالى كما فعله أهل الكتاب والله أعلم

ثم إن ذلك لا يمنع من إيراد الجميع في الصحيح لما عرف في مسألة زيادة الثقة من أننا نقبلها ولا ننعطف على من لم يذكرها بقدح ورد والله أعلم

حديث أنس المذكور بعد هذا فيه فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق

هذا الرجل هو ضمام بن ثعلبة بضاد معجمة مكسورة وهو من بني سعد بن بكر بن هوازن قبيلة حليمة التي أرضعت سيدنا محمد رسول الله ﷺ

قال أبو عمر ابن عبد البر حافظ أهل المغرب روى حديثه ابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم وكلها طرق صحاح وذكر أن طلحة لم يسمه وهذا من أبي عمر حكم بأن النجدي المذكور في حديث طلحة هو ضمام بن ثعلبة أيضا

وفي هذا نظر لأنه إذا لم يسمه طلحة كما اعترف أبو عمر به فمن أين له أنه أراده بالرجل الذي لم يسمه وقوله أنك تزعم مع تصديق رسول الله ﷺ له دال على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب وبما ليس بمحقق بل قد يجيء بمعنى قال مستعملا في الحق المحقق وفي غيره وقد نقل مصداق ذلك أبو عمر الزاهد في شرحه للفصيح عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين قال أبو العباس ومنه قول الفقهاء زعم مالك زعم الشافعي قال معناه كله قال والله أعلم

وفي هذا الحديث دلالة على صحة ما ذهب إليه أئمة العلماء في أن العوام المقلدين مؤمنون وأنه يكتفي منهم بمجرد اعتقادهم الحق جزما من غير شك وتزلزل خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة

وذلك أنه ﷺ قرر ضماما على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه ﷺ من مناشدته ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك قائلا له إن الواجب عليك أن تستدرك ذلك من النظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية التي تفيدك العلم والله أعلم

قول أبي أيوب رضي الله عنه فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها هو ما يشد على رأس البعير من حبل أو سير أو نحو ذلك ليقاد به وأما الخطام فقد ذكر الأزهري أبو منصور اللغوي ما معناه أنه الحبل الذي يعلق في حلق البعير ثم يثنى على أنفه ولا يثقب له الأنف والله أعلم

وقوله فيه قال رسول الله ﷺ إن تمسك بما أمر به دخل الجنة رويناه مما يعتمد من أصل الحافظ أبي القاسم العساكري أمر بضم الهمزة به بالباء التي هي حرف الجر ومن خط الحافظ أبي عامر العبدري أمرته بفتح الهمزة وبالتاء المثناة من فوق التي هي ضمير المتكلم ويكون على هذا قد حذف منه به وهو جائز والله أعلم

النعمان بن قوقل بقافين على وزان نوفل

وقوله حرمت الحرام وأحللت الحلال أما تحريمه الحرام فالظاهر أنه أراد به الأمرين أن يعتقده وأن لا يفعله بخلاف تحليل الحلال فإنه يكفي فيه مجرد الإعتقاد والله أعلم

حديث ابن عمر رضي الله عنهما بني الإسلام على خمس، في بعض رواياته الاقتصار على إحدى الشهادتين وهي شهادة أن لا إله إلا الله فحسب والشهادة الأخرى محذوفة مرادة اكتفاءا بذكر إحدى القرينتين عن ذكر الأخرى

وقوله وصيام رمضان والحج فقال رجل الحج وصيام رمضان قال لا صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله ﷺ

ورويناه في كتاب أبي عوانة الإسفراييني المخرج على شرط مسلم وكتابه على العكس مما رواه مسلم وأن ابن عمر قال للرجل اجعل صيام رمضان آخرهن كما سمعت من في رسول الله ﷺ ولم يذكر رواية مسلم لهذه ولن يقاوم ذلك ما رواه مسلم وقد رواه مسلم من غير ذكر قصة الرجل من وجهين فيهما وحج البيت وصوم رمضان بتقديم الحج على الصوم

فأقول أما محافظة ابن عمر رضي الله عنهما على الترتيب في الذكر على ما سمعه من رسول الله ﷺ ونهيه عن عكسه فهو مما يصلح حجة لمن قال إن الواو تقتضي الترتيب وهو مذهب كثير من الفقهاء الشافعيين وشذوذ من النحويين

ومن قال إنها لا تقتضي الترتيب وهو المختار وقول الجمهور فله أن يقول فيما رواه مسلم لم يكن ذلك من ابن عمر لكون الواو مرتبة بل لأن صوم رمضان نزلت فرضيته في السنة الثانية من الهجرة ونزلت فرضية الحج في سنة ست وقيل سنة تسع بالتاء المثناة من فوق ومن حق الأول أن يتقدم في الذكر على الآخر

وهكذا نقول نحو ذلك في الرواية الأخرى الأهم يقدم في الذكر وإن لم يعطف ذلك بحرف الواو فكانت محافظة ابن عمر على ذلك لمثل ذلك وأما مخالفة من خالف من رواة الحديث لما نص عليه ابن عمر الراوي له في قصة الرجل فرواه عنه بتقديم ذكر الحج على ذكر الصوم

فكأن ذلك وقع ممن كان يرى الرواية بالمعنى ويرى أن تأخير الأول أو الأهم في الذكر شائع في اللسان فتصرف فيه بالتقديم والتأخير لذلك مع كونه لم يسمع نهي ابن عمر عن ذلك

فافهم ذلك فإنه من المشكل الذي لم أرهم بينوه والله أعلم

حديث وفد عبد القيس برواياته رواه مسلم من حديث شعبة وغيره عن أبي جمرة عن ابن عباس،

وأبو جمرة هذا هو بالجيم والراء المهملة وهو نصر بن عمران الضبعي البصري وليس في الصحيحين بهذه الكنية أحد سوى نصر هذا

وقد ذكرت في كتابي معرفة علوم الحديث عن بعض الحفاظ أن شعبة روى عن سبعة كلهم أبو حمزة عن ابن عباس وكلهم أبو حمزة بالحاء والزاي المنقوطة إلا واحدا هو بالجيم والراء المغفلة وهو نصر بن عمران

والفرق بينهم يدرك بأن شعبة إذا أطلق وقال عن أبي جمرة عن ابن عباس فهو نصر بن عمران وإذا روى عن غيره ممن هو بالحاء والزاي فهو يذكر اسمه أو نسبه والله أعلم

قوله في الرواية الأولى فقالوا يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر الذي نختاره فيه نصب قوله الحي على التخصيص

والخبر في قولهم من ربيعة ومعناه إنا هذا الحي حي من ربيعة وقد جاء في رواية أخرى إنا حي من ربيعة والله أعلم

قولهم ولا نخلص إليك إلا في شهر الحرام صح هكذا في أصولنا بإضافة شهر الحرام والقول فيه كالقول في نظائره من قولهم دار الآخرة ومسجد الجامع ونحو ذلك فعلى طريقة النحويين الكوفيين هو إضافة للموصوف إلى صفته وذلك عندهم سائغ ولا يسوغ ذلك أصحابنا النحويون البصريون ويقولون تقدير ذلك شهر الوقت ومسجد المكان الجامع ودار الحياة الآخرة ونحو ذلك والله أعلم

قوله ﷺ وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير

وأما الدباء فهو بدال مغفلة مضمومة ثم باء مشددة بعدها مدة وهو القرع

وأما الحنتم فهو بالحاء المهملة والنون والتاء المثناة من فوق والميم على وزان جعفر وهو جمع حنتمة وقد اختلف في معناه على وجوه أحدها وهو أقواها إنه الجرار الخضر وذلك مروي عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الأشربة من هذا الصحيح وقال به غير واحد من أهل اللغة والغريب

وقيل هو الجر الأخضر والأبيض وقيل الجر كله ويعضده ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الصحيح أنه قال هي الجرة فأطلق وقيل هو الفخار كله وقيل جرار كانت يحمل فيها الخمر من مصر وقيل من الشام وقيل جرار كانت تعمل من طين قد عجن بشعر ودم وهو مروي عن عطاء وقيل في ذلك غير ذلك وعلى هذين القولين الأخريين يزداد في علة النهي النجاسة أو خوف النجاسة

وأما النقير فقد فسره رسول الله ﷺ في رواية أبي سعيد لهذا الحديث بأنه جذع ينقر ويقذف فيه من القطيعاء أو قال من التمر ويصب عليه الماء

القطيعاء بضم القاف وبالمد على وزان الغبيراء، وهي نوع من التمر يقال له السهريز بالسين والشين وبضمهما وكسرهما

وأما المقير وفي رواية المزفت فهو المطلي بالقار والزفت

وقد قيل الزفت هو القار وفي عرفنا الزفت نوع من القار وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال المزفت هو المقير

ثم إن المعنى في النهي عن انتباذ النبيذ الحلو في هذه الأوعية إن النبيذ فيها يسرع إليه الإسكار وهو فساد وأيضا فربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه بعد

ثم إن هذا النهي نسخ بدلالة حديث بريدة بن الحصيب وغيره في ذلك وسيأتي في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وهو أعلم

صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح

مقدمة | الفصل الأول | الفصل الثاني | الفصل الثالث | الفصل الرابع | الفصل الخامس | الفصل السادس | الفصل السابع | الفصل الثامن | الفصل التاسع | الفصل العاشر | تنبيهات | أحاديث الإيمان: 1 | 2 | 3 | 4 | أحاديث النهي عن الاستمطار بالأنواء | أحاديث ذكرها مسلم في ذم الكبر أعاذنا الله منه
 

أصناف المغرورين أبو حامد الغزالي

أصناف المغرورين

أصناف المغرورين  أبو حامد الغزالي
 


أصناف المغرورين حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالى الطوسى
بسم الله الرحمن الرحيم
 
مقدمة المؤلف • 
 
 أصناف المغرورين o
 
  0 غرور الكافر
  o فصل فيمن يشاركون الكفار غرورهم من المؤمنين
  o فصل فى غرور عصاة المؤمنين o فصل فى غرور من يظن أن طاعته أكثر من معاصيه • 
 
فصل فى بيان المغرورين وأقسام كل صنف 
 
- الصنف الأول من المغرورين العلماء 
 
 -الصنف الثانى من المغرورين أرباب العبادات والأعمال 
 
 -الصنف الثالث من المغرورين أرباب الأموال 
 
-الصنف الرابع من المغرورين المتصوفة


مقدمة المؤلف

قال الشيخ الإمام العالم العامل حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالى الطوسى رحم الله وعفا عنه: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على خير خلقة سيدنا محمد وآله وصحبه هذا كتاب الكشف والتبيين فى غرور الخلق أجمعين. اعلم أن الخلق قسمان: حيوان وغير حيوان. والحيوان قسمان: مكلف ومهمل. فالمكلف من خاطبه الله بالعبادة وأمره بها. ووعده الثواب عليها ونهاه عن المعاصى وحذره العقوبة. ثم المكلف قسمان: مؤمن وكافر. والمؤمن قسمان طائع وعاص. وكل من الطائعين والعاصين ينقسم قسمين: عالم وجاهل. ثم رأيت الغرور لازما لجميع المؤمنين المكلفين والكافرين. إلا من عصمه الله رب العالمين. وأنا بحمد الله أكشف عن غرورهم وأبين الحجة فيه. وأوضحه غاية الإيضاح. وأبينه غاية البيان بأوجز ما تكون العبارة. وأبدع ما يكون من الإشارة. والمغرورون من الخلق ما عدا الكافرين أربعة أصناف:


صنف من العلماء, وصنف من العباد، وصنف من أرباب الأموال، وصنف من المتصوفة. غرور الكافر


فأول ما نبدأ به غرور الكافر وهو قسمان: منهم من غرته الحياة الدنيا. ومنهم من غره بالله الغرور. أما الذين غرتهم الحياة الدنيا وهم الذين قالوا: النقد خير من النسيئة. ولذات الدنيا يقين. ولذات الآخرة شك!!. ولا يترك اليقين بالشك. وهذا قياس فاسد. وهو قياس إبليس لعنه الله تعالى فى قوله: أنا خير منه. فظن أن الخيرية فى النسب. وعلاج هذا الغرور شيئان إما بتصديق وهو الإيمان. وإما ببرهان. أما التصديق فهو أن يصدق الله تعالى فى قوله )وما عند الله خير وأبقى( )وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور(. وتصديق الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به. وأما البرهان: وهو أن يعرف وجه فساد قياسه. أن قوله: الدنيا نقد والآخرة نسيئة مقدمة صحيحة وأما قوله: النقد خير من النسيئة. فهو محل التلبيس. وليس الأمر كذلك. بل إن كان النقد مثل النسيئة في المقدار. والمقصود فهو خير. وإن كان أقل منها. فالنسيئة خير منه. ومعلوم أن الآخرة أبدية. والدنيا غير أبدية. وأما قوله: ولذات الدنيا يقين ولذات الآخرة شك فهو أيضا باطل. بل ذلك يقين عند المؤمنين. وليقينه مدر كان: أحدهما الإيمان والتصديق على وجه التقليد للأنبياء والعلماء كما يقلد الطبيب الحاذق في الدواء. والمدرك الثاني: الوحى للأنبياء والإلهام للأولياء. ولا تظن أن معرفة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأمور الآخرة. ولأمور الدنيا تقليد لجبريل عليه السلام. فإن التقليد ليس بمعرفة صحيحة. والنبي صلّى الله عليه وسلّم حاشاه الله من ذلك. بل انكشفت له الأشياء. وشاهدها بنور البصيرة. كما شاهدت أنت المحسوسات بالعين الظاهرة. فصل فيمن يشاركون الكفار غرورهم من المؤمنين بربهم والمؤمنون بألسنتهم وعقائدهم إذا ضيعوا أمر الله تعالى وهى الأعمال الصالحة.


وتدنسوا بالشهوات. وهم مشاركون الكفار فى هذا الغرور. فالحياة الدنيا للكافرين والمؤمنين جميعا غرور: فأما غرور الكافرين بالله تعالى فمثاله: قول بعضهم فى أنفسهم بألسنتهم: إنه إن كان الله معيدنا فنحن أحق بها من غيرنا كما أخبر الله تعالى عنهم فى صورة الكهف حين قال: (ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً) ما سبب هذا الغرور وسبب هذا الغرور قياس من أقيسة إبليس لعنه الله تعالى. وذلك انهم ينظرون مرة إلى نعم الله تعالى عليهم في الدنيا. فيقيسون عليها نعم الآخرة ومرة ينظرون إلى تأخير عذاب الله عنهم في الدنيا فيقيسون عذاب الآخرة كما أخبر الله تعالى عنهم (ويقولون فى أنفسهم لو لا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) ومرة ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء. فيزدرونهم ويقولون: (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا(. ويقولون: (لو كان خيراً ما سبقونا إليه(. وترتيب القياس الذى نظم فى قلوبهم أنهم يقولون: قد أحسن الله إلينا بنعم الدنيا. وكل محسن فهو محب وكل محب فهو محسن وليس كذلك. بل يكون محسناً ولا يكون محباً. بل ربما يكون الإحسان سبب هلاكه على الاستدراج. وذلك محض الغرور بالله عز وجل. ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إن الله تعالى يحمى عبده من الدنيا كما يحمى أحدكم مريضه عن الطعام والشراب وهو يحبه(. ولذلك كان أرباب البصائر إذا أقبلت عليهم الدنيا حزنوا وإذا أقبل عليهم الفقر فرحوا. وقالوا: مرحبا بشعار الصالحين فقد قال الله تعالى: (فأما الإِنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه(. وقال تعالى: (أيحسبون أَنَّمَا نُمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون). الآية. وقال تعالى:(سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم إن كيدى متين(. وقال تعالى:(فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون(. فمن آمن بالله تعالى يأمن من هذا الغرور. ومم ينشأ هذا الغرور ومنشأ هذا الغرور الجهل بالله تعالى وبصفاته. فإن من عرف الله تعالى فلا يأمن من مكر الله. وينظرون إلى فرعون وهامان وثمود وماذا حل بهم. مع أن الله تعالى أعطاهم من المال. وقد حذر الله تعالى مكره فقال تعالى:(فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون(. وقال تعالى:(ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين(. وقال تعالى:(فمَهل الكافرين أمهلهم رويداً(. فمن أولى نعمة يحذر أن تكون نقمة. فصل فى غرور عصاة المؤمنين


وهم من يتكلون على عفو الله ويهملون العمل وأما غرور العصاة بالله من المؤمنين فقولهم: غفور رحيم وإنما يرجى عفوه فاتكلوا على ذلك وأهملوا الأعمال وذلك من قبل الرجا فإنه مقام محمود في الدنيا. وأن رحمة الله واسعة ونعمته وشاملة وكرمه عميم وأنا موحدون نرجوه بوسيلة الإِيمان والكرم والإِحسان. منشأ ذاك الغرور وربما كان منشأ حالهم التمسك بصلاح الآباء والأمهات. وذلك نهاية الغرور فإن آباءهم مع صلاحهم وورعهم كانوا خائفين. ونظم قياسهم الذى سول لهم الشيطان: من أحب إنساناً أحب أولاده. فإن الله قد أحب أباكم فهو يحبكم فلا تحتاجون إلى الطاعات فاتكلوا على ذلك واغتروا بالله ولم يعلموا أن نوحا عليه السلام أراد أن يحمل ولده فى السفينة فمنع وأغرقه إليه سبحانه وتعالى بأشد ما أغرق به قوم نوح. وإن نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم استأذن فى زيارة قبر أمه، وفى الاستغفار: فأذن له فى الزيارة ولم يؤذن فى الاستغفار لها. ونسوا قوله سبحانه وتعلى:(أَلاَّ تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للإِنسان إلا ما سعى(. ومن ظن أنه ينجو بتقوى أصله كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه أو يروى بشراب أبيه. والتقوى فرض عين لا يجزى فيها والد عن ولده(يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه(. إلا على سبيل الشفاعة. ونسوا قوله عليه الصلاة والسلام:(الكيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه وهواها وتمنى على الله الأماني(. وقوله تعالى:(إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم(. وقال تعالى:(جزاء بما كانوا يعملون(. وهل يصح الرجا إلا إذا تقدمه عمل وإلا فهو غرور لا محالة. ويقرب منهم غرور طوائف لهم طاعات ومعاص إلا أن معاصيهم أكثر وهم يتوقعون المغفرة ويظنون أن لغة حسناتهم ترجح أكثر من كفة السيئات. وهذا غاية الجهل فيرى الواحد يتصرف بدراهم معدودة من الحلال والحرام ويكون ما تناوله من أموال الناس والشبهات أضعافا وهو كمن وضع فى كفة الميزان عشرة دراهم ووضع فى الكفة الأخرى ألفاً وأراد أن تميل الكفة التى فيها العشرة وذلك غاية الجهل. فصل فى غرور من يظن أن طاعته أكثر من معاصيه وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها


كالذى يستغفر بلسانه أو يسبح فى الليل والنهار مثلا مائة مرة أو ألف مرة ثم يغتاب المسلمين وتكلم بما لا يرضاه الله طول النهار ويلتفت إلى ما ورد فى فضل التسبيح. ويغفل عما ورد فى عقوبة المغتابين والكذابين والنمامين والمنافقين. وذلك محض الغرور فحفظ لسانه عن المعاصى آكد من تسبيحاته. فصل فى بيان المغرورين وأقسام كل صنف الصنف الأول من المغرورين العلماء


والمغرورون منهم فِرق: الفرقة الأولى فرقة منهم لما أحكمت العلوم الشرعية والعقلية تعمقوا فيها واشتغلوا بها وأهملوا تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصى وإلزامها الطاعات فاغتروا بعلمهم وظنوا أنهم عند الله بمكان. وأنهم قد بلغوا من العلم مبلغا لا يعذب الله تعالى مثلهم بل يقبل عليهم ويقبل فى الخلق شفاعتهم ولا يطالبهم بذنوبهم وخطاياهم وهو مغرورون فإنهم لو نظروا بعين البصيرة علموا أن العلم علمان: علم معاملة، وعلم مكاشفة. وعلم المكاشفة وهو العلم بالله تعالى وبصفاته. ولا بد من علم المعاملة لتتم الحكمة المقصودة وهى العلم بمعرفة الحلال الحرام ومعرفة أخلاق الناس المذمومة والمحمودة. ومثالهم مثال طبيب طب غيره وهو عليل قادر على طب نفسه ولم يفعل. وهل ينفع الدواء بالوصف!. هيهات لا ينفع الدواء إلا من شربه بعد الحمية. وغفلوا عن قوله سبحانه وتعالى:(قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسها) ولم يقل من يعلم تزكيتها وأهمل علمها وعلمها الناس. وغفلوا عن قوله صلّى الله عليه وسلّم:(إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه(. وغير ذلك كثير. وهؤلاء المغرورن - نعوذ بالله منهم - وإنما غلب عليهم حب الدنيا وحب الآخرة وحب الراحة. وظنوا أن علمهم ينحيهم فى الآخرة من غير عمل. الفرقة الثانية وفرقة أخرى أحكموا العلم والعمل الظاهر وتركوا المعاصى الظاهرة وغفلوا عن قلوبهم فلم يمحو منها الصفات المذمومة عند الله كالكبر والرياء والحسد وطلب الرياسة والعلا وإرادة الثناء على الأقران والشركاء وطلب الشهرة فى البلاد والعباد وذلك غرور سببه غفلتهم عن قوله عليه الصلاة والسلام:(الرياء الشرك الأصغر(. وقوله:(حب المال والشرف ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل(. إلى غير ذلك من الأخبار. وغفلوا عن قوله تعالى:(إلا من أتى الله بقلب سليم(. فغفلوا عن قلوبهم واشتغلوا بظواهرهم. ومن لا يصفى قلبه لا تصح طاعته. ويكون كمريض ظهر به الجرب فأمره الطبيب بالطلاء وشرب الدواء. فاشتغل بالطلاء وترك شرب الدواء. فأزال ما بظاهره. ولم يزل ما بباطنه. وأصل ما على ظاهره مما فى باطنه. فلا يزال جربه يزداد أبدا مما فى باطنه. فكذلك الخبائث إذا كانت كامنة فى القلب يظهر أثرها على الجوارح فلو زال ما فى باطنه استراح الظاهر. الفرقة الثالثة وفرقة أخرى علموا هذه الأخلاق. وعلموا أنها مذمومة من وجه الشرع إلا أنهم لعجبهم بأنفسهم يظنون أنهم منفكون. وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بذلك. وإنما يبتلى به العوام دون من بلغ مبلغهم فى العلم. فأما هم فإنهم أعظم عند الله من أن يبتليهم. فظهرت عليهم مخايل الكبر والرياسة. وطلبوا العلو والشرف. وغرورهم أنهم ظنوا ذلك ليس تكبرا. وإنما هو عز الدين وإظهار لشرف العلم. ونصرة الدين. وغفلوا عن فرح إبليس به. ونصرة النبي صلّى الله عليه وسلّم لماذا كانت. وبماذا أرغم الكافرين وغفلوا عن تواضع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وتذللهم وفقرهم ومسكنتهم حتى عوتب عمر رضى الله عنه فى بذاذته عند قدومه إلى الشام فقال: إنا قوم عزنا الله بالإسلام. ولا نطلب العزة فى غيره. ثم هذا المغرور يطلب العز للدين بالثياب الرفيعة. ويزعم أنه يطلب عز الدين وشرفه. ومهما أطلق اللسان فى الحسد فى أقرانه أو فيمن رد عليه شيئا من كلامه لم يظن بنفسه أن ذلك حسد. ويقول: إنما هو غضب للحق ورد على المبطل فى عدوانه وظلمه. وهذ مغرور. فإنه لو طعن في غيره من العلماء من أقرانه ربما لم يغضب بل ربما يفرح - وإن أظهر الغضب عند الناس بأنه يحبه. وربما يظهر العلم ويقول: غرضى به أن أفيد الخلق. وهو هراء لأنه لو كان غرضه صلاح الخلق لأحب صلاحهم على يد غيره ممن هو مثله أو فوقه. وربما يدخل على السلطان ويتودد إليه ويثنى عليه. فإذا سئل عن ذلك قال: إنما غرضى أن أنفع المسلمين. وأن أرفع عنهم الضرر. وهو مغرور. ولو كان غرضه ذلك فرح به إذا جرى على يد غيره ولو رأى من هو مثله عند السلطان يشفع فى أحد يغضب. وربما أخذ من أموالهم فإن خطر بباله أنه حرام قال له الشيطان هذا مال لا مالك له وهو لمصالح المسلمين وأنت أحدها: أنه مال لا مالك له. والثانى: أنه لمصالح المسلمين. والثالث: أنه إمام. وهل يكون إماما إلا من أعرض عن الدنيا كالأنبياء والصحابة. ومثله: قول عيسى عليه السلام: العالم السوء كصخرة وقعت فى الوادى فلا هى تشرب الماء ولا هى تترك الماء يخلص إلى الزرع. وأصناف غرور أهل العلم كثيرة. وما يفسد هؤلاء أكثر مما يصلحونه. الفرقة الرابعة وفرقة أخرى حكموا العلم. وطهروا الجوارح وزينوها بالطاعات. واجتنبوا ظاهر المعاصى. وتفقدوا أخلاق النفس وصفات القلب من الرياء. والحسد والكبر والحقد. وطلب العلو. وجاهدوا أنفسكم فى التبرى منها وقلعوا من القلب منابتها الجلية القوية. ولكنهم مغرورون إذ بقى فى زوايا القلب بقايا من خفايا مكايد الشيطان. خبايا خدع النفس ما دق وغمض. فلم يفطنوا لها. وأهملوها. ومثالهم كمثل من يريد تنقية الزرع من الحشيش فدار عليه. وفتش عن كل حشيش فقلعه. إلا أنه لم يفتش عما لم يخرج رأسه بعد من تحت الأرض وظن أن الكل قد ظهر وبرز فلما غفل عنها ظهرت وأفسدت عليه الزرع. وهؤلاء إن غيروا تغيروا. وربما تركوا مخالطة الخلق استكبارا. وربما نظروا إليهم بعين الحقارة. وربما يجتهد بعضهم فى تحسين نظمه لئلا ينظر إليه بعين الركاكة. الفرقة الخامسة وفرقة أخرى تركوا المهم من العلوم. واقتصروا على علوم الفتاوى فى الحكومات والخصومات. وتفصيل المعاملات الدنيوية الجارية بين الخلق لمصالح المعايش. وخصصوا اسم الفقيه. وسموه: الفقيه وعلم المذهب. وربما ضيعوا مع ذلك علم الأعمال الظاهرة والباطنة ولم يتفقدوا الجوارح. ولم يحرسوا اللسان من الغيبة والبطن عن الحرام. والرجل عن السعى إلى السلاطين. وكذلك سائر الجوارح. ولم يحرسوا قلوبهم عن الكبر والرياء والحسد. وسائر المهلكات. وهؤلاء مغرورون من وجهين: احدهما: من حيث العمل وقد ذكرت وجه علاجه فى الإحياء وأن مثالهم كمثل المريض الذى تعلم الدواء من الحكماء ولم يعلمه أو يعمله وهؤلاء مشرفون على الهلاك حيث أنهم تركوا تزكية أنفسهم وتخليتها. فاشتغلوا بكتاب الحيض والديات والدعاوى والظهار واللعان. وضيعوا أعمارهم فيها. وإنما غرهم تعظيم الخلق لهم وإكرامهم ورجوع أحدهم قاضيا ومفتيا. ويطعن كل واحد فى صاحبه. وإذا اجتمعوا زال الطعن. والثانى: من حيث العلم وذلك لظنهم أنه لا علم إلا بذلك وأنه المنجى الموصل. وإنما المنجى الموصل حب الله. ولا يتصور حب الله تعالى إلا بمعرفته. بمن تتحقق معرفة الله ومعرفته ثلاث: معرفة الذات ومعرفة الصفات. ومعرفة الأفعال. ومثال هؤلاء مثال من اقتصر على بيع الزاد فى طريق الحاج. ولم يعلم أن الفقه هو الفقه عن الله تعالى ومعرفة صفاته المخوفة. والزاجرة ليستشعر القلب الخوف. ويلازم التقوى كما قال تعالى:(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين(. ومن هؤلاء من اقتصر من علم الفقه على الخلافيات ولا يهمه إلا العلم بطريق المجادلة والإلزام. وإقحام الخصم ودفع الحق لأجل المباهاة. وهو طول الليل والنهار فى التفتيش فى مناقضات أرباب المذاهب والتفقد لعيوب الأقران. وهؤلاء لم يقصدوا العلم. وإنما قصروا مباهاة الأقران ولو اشتغلوا بتصفية قلوبهم كان خيرا لهم من علم لا ينفع إلا فى الدنيا. ونفعه فى الدنيا التكبر. وذلك ينقلب فى الآخرة نارا تلظى. وأما أدلة المذاهب فيشتمل عليها كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أقبح غرور هؤلاء. الفرقة السادسة وفرقة أخرى اشتغلوا بعلم الكلام والمجادلة والرد على المخالفين وتتبع مناقضاتهم. واستكثروا من علم المقولات المختلفة. واشتغلوا بتعلم الطريق فى مناظرة أولئك وإفحامهم. ولكنهم على فرقتين: إحداهما: ضالة مضلة والأخرى محقة. أما غرور الفرقة الضالة فلغفلتها عن ضلالتها وظنها بنفسها النجاة. وهو فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضا. وإنما ضلوا من حيث أنهم لم يحكموا شروط الأدلة ومناهجها. فرأوا الشبه دليلاً. والدليل شبهة. وأما غرور المحقة فمن حيث أنهم ظنوا بالجدال أنه أهم الأمور وأفضل القربات فى دين الله تعالى. وزعمت أنه لا يتم لأحد دينه ما لم يتفحص ويبحث. وإن من صدق الله تعالى من غير بحث وتحرير دليل فليس ذلك بمؤمن وليس بكامل ولا بمقرب عند الله ولم يلتفتوا إلى القرن الأول. وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم شهد لهم بأنهم خير الخلق ولم يطلب منهم الدليل وروى أبو أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. أنه قال:(ما ضل قوم قط بعد هدى كانوا عليه. إلا أوتوا الجدل(. الفرقة السابعة اشتغلوا بالوعظ. وأعلاهم نية من يتكلم فى أخلاق النفس وصفات القلب. من الخوف والرجاء، والصبر والشكر والتوكل، والزهد واليقين والإخلاص والصدق وهم مغرورون لأنهم يظنون بأنفسهم إذا تكلموا بهذه الصفات. ودعوا الخلق إليها فقد اتصفوا بها. وهم منفكون عنها إلا عن قدر يسير لا ينفك عنه عوام المسلمين. وغرورهم أساس الغرور لأنهم يعجبون بأنفسهم غاية الإعجاب. ويظنون أنهم ما تبحروا فى علم المحبة إلا وهم من الناجين عند الله تعالى وأنهم مغفور لهم بحفظهم لكلام الزهاد مع خلودهم من العمل وهؤلاء أشد غرورا ممن كان قبلهم لأنهم يظنون أنهم يحببون فى الله ورسوله. وما قدروا على تحقيق دقائق الإخلاص إلا وهم مخلصون ولا وقفوا على خطايا عيوب النفس إلا وهم عنها منزهون. وكذلك جميع الصفات. وهم أحب فى الدنيا من كل أحد. ويظهرون الزهد فى الدنيا لشدة حرصهم على الدنيا. وقوة رغبتهم فيها. ويحثون على الإخلاص وهم غير مخلصين. ويظهرون الدعاء إلى الله وهم منه فارون ويخوفون بالله وهم منه آمنون ويذكرون بالله وهم له ناسون. ويقربون إلى الله تعالى وهم منه متباعدون. ويذمون الصفات المذمومة وهم بها متصفون ويصرفون الناس عن الخلق وهم على الخلق أشدهم حرصا. لو منعوا عن مجالسهم التى يدعون فيها الناس إلى الله لضاقت عليهم الأرض بما رحبت ويزعمون أن غرضهم إصلاح الخلق. ولو ظهر من أقرانه أحدهم ممن أقبل الخلق عليه ومن صلحوا على يديه لمات غما وحسدا. ولو أثنى واحد من المترددين إليه على بعض أقرانه لكان أبغض خلق الله تعالى إليه فهؤلاء أعظم الناس غرورا وأبعدهم عن التنبيه والرجوع إلى السداد. الفرقة الثامنة وفرقة أخرى منهم عدلوا عن المنهج الواجب فى الوعظ وهم وعاظ أهل هذا الزمان كافة إلا من عصمه الله تبارك وتعالى. فاشتغلوا بالطامات. والشطح وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعدل طلبا للإغراب. وطائفة اشتغلوا بطيارات النكت ونسجيع الألفاظ وتلفيقها. وأكثر همهم فى الأسجاع والاستشهاد بأشعار الوصال والفراق. وغرضهم أن يكثر فى مجلسهم التواجد والزعقات ولو على أغراض فاسدة. وهؤلاء شياطين الإنس ضلوا وأضلوا. فإن الأولين إن لم يصلحوا أنفسهم فقد أصلحوا غيرهم وصححوا كلامهم ووعظهم. وأما هؤلاء فإنهم يصدون عن السبيل. ويجرون الخلق إلى الغرور بالله بلفظ الرجاء فيزيدهم كلامهم جرأة على المعاصى. ورغبة فى الدنيا لا سيما إذا كان الواعظ متزينا بالثياب والخيل والمراكب ويقنطهم من رحمة الله تعالى. الفرقة التاسعة وفرقة أخرى منهم فتنوا بكلام الزهاد وأحاديثهم فى ذم الدنيا فيعيدونها على نحو ما يحفظونه من كلام حفظوه من غير إحاطة بمعانيها. فيعظهم بفعل ذلك على المنابر. وبعضهم فى المحاريب. وبعضهم فى الأسواق مع الجلساء. ويظن أنه ناج عند الله. وأنه مغفور له الفرقة العاشرة وفرقة أخرى شغلوا أوقاتهم فى علم الحديث. أعنى سماعه. وجمع الروايات الكثيرة منه. وطلب الأسانيد الغريبة العالية. فهمة أحدهم أن يدور فى البلاد. ويروى عن الشيوخ ليقول: أنا أروى عن فلان. ورأيت فلانا. ولقيت فلانا. ومعى من الأسانيد مع ما ليس مع غيرى. وغرورهم من وجوه: منها أنهم كحملة الأسفار فإنهم لا يصرفون العناية إلى فهم السنة وتدبر معانيها. وإنما قاصرون على النقل. ويظنون أن ذلك يكفيهم. وهيهات. بل المقصود من الحديث فهم وتدبر معانيه. فالأول فى الحديث السماع. ثم التفهم ثم الحفظ. ثم العمل. ثم النشر. وهؤلاء اقتصروا على السماع لا عمل. ثم لم يحكموه. وإن كان لا فائدة فى الاقتصار عليه والحديث فى هذا الزمان يقرئونه الصبيان وهم غرة غافلون. والشيخ الذى يقرأ عليه ربما كان غافلا بحيث لو صحف وغير الحديث لا يعلم. وربما ينام ويروى عنه الحديث وهو لا يعلم. وكل ذلك غرور. وإنما الأصل فى استماع الحديث أن يسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أو من الصحابة. أو من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين. ويصير سماعه من الصحابة كسماعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو يصغى ويحفظ. ويرويه كما حفظه حتى لا يشك فى حرف واحد منه. وإن شك فيه لم يجز له أن يرويه. وحفظ الحديث يكون بطريقتين: إحداهما: بالقلب مع الاستدامة بالتكرار والذكر. والثانية: يكتب كما يسمع. ويصحح المكتوب. ويحفظ كيلا تصل إليه يد من يغيره. ويكون حفظه الكتاب أن يكون فى خزانته محروسا حتى لا تمتد عليه يد غيره أصلا. ولا يجوز أن يكتب سماع الصبى والغافل والنائم ولو جاز ذلك أن يكتب سماع الصبى فى المهد. وللسماع شروط كثيرة. والمقصود من الحديث العمل به ومعرفته. وله مفهومات كثيرة. كما للقرآن. وروى عن بعض المشايخ أنه حضر فى مجلس السماع وكان أول حديث سمعه قوله صلّى الله عليه وسلّم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه(. فقام وقال: يكفينى هذا حتى أفرغ منه ثم أسمع غيره. وهكذا يكون سماع الأكياس. وهو أبو السعيد بن أبى الخير المنهى حضر فى مجلس ابن أحمد السرخسى. وفرقة أخرى اشتغلوا بعلم النحو والشعر واللغة وغيرها. واغتروا به وزعموا أنه غفر لهم. وأنهم من علماء الأمة إذ قوام الدين والسنة بعلم اللغة والنحو. فأفنوا أعمارهم فى دقائق النحو واللغة. وذلك غرور. فلو عقلوا لعلموا أن لغة العرب كلغة الترك. والمضيع عمره فى لغة العرب كالمضيع عمره فى لغة الترك والهند. وإنما فارقهم لورود الشرع فيكفى فى اللغة علم الغريبين فى الأحاديث والكتاب. ومن النحو ما يتعلق بالحديث والكتاب. وأما التعمق إلى درجات لا تتناهى فهو فضول مستغنى عنه. وصاحبه مغرور. الصنف الثانى من المغرورين أرباب العبادات والأعمال والمغرورون فرق كثيرة.


فمنهم من غروره فى الجهاد ومنهم من غروره فى الزهد. الفرقة الأولى فمنهم فرقة أهملوا الفرائض. واشتغلوا بالنوافل. وربما تعمقوا حتى خرجوا إلى السرف والعدوان كالذى تغلب عليه الوسوسة فى الوضوء فيبالغ فيه. ولا يرضى الماء المحكوم بطهارته فى فتوى الشرع. ويقدر الاحتمالات البعيدة قريبة من النجاسة. وإذا آل الأمر إلى أكل الحلال قدر الاحتمالات القريبة بعيدة وربما أكل الحرام المحض. ولو انقلب بهذا الاحتياط من الماء إلى الطعام لكان أولى وتشبه بسيرة الصحابة رضى الله عنهم. إذ توضأ عمر رضى الله عنه بماء فى جرة نصرانية مع ظهور احتمال النجاسة. وكان مع هذا يدع أبوابا من الحلال وخوفا من الوقوع فى الحرام. الفرقة الثانية وفرقة أخرى غلب عليهم الوسوسة فى نية الصلاة فلا يدعه الشيطان يعتقد نية صحيحة. بل يوسوس عليه حتى تفوته الجماعة. وتخرج الصلاة عن الوقت. وإن تم تكبيرة الاحرام فيكون فى قلبه تردد. فى صحة نيته. وقد يتوسوس فى التكبيرة فيكون قد تغير صفة التكبير لشدة الاحتياط. ويفوته سماع الفاتحة. ويفعلون ذلك فى أول الصلاة. ثم يفعلون فى جميع الصلاة. ولا يهزون قلوبهم ويغترون بذلك. ولم يعلموا أن حضور القلب فى الصلاة هو الواجب. وإنما غرهم إبليس وزين لهم. وقال لهم: هذا الاحتياط تتميزون به عن العوام وأنتم على خير عند ربكم. الفرقة الثالثة وفرقة أخرى غلب عليها الوسوسة فى إخراج حروف الفاتحة. وسائر الأذكار من مخارجها. فلا تزال تحتاط فى التشديدات. والفرق بين الضاد والظاء. لا يهمه غير ذلك ولا يتفكر فى أسرار الفاتحة ولا فى معانيها. ولم يعلم أنه لم يكلف الخلق فى تلاوة القرآن من تحقيق مخارج الحروف إلا ما جرت به عادتهم فى الكلام. وهذا غرور عظيم. ومثالهم مثال من حمل رسالة إلى مجلس السلطان وأمر أن يؤديها على وجهها. فأخذ يؤدى الرسالة ويتأنق فى مخارج الحروف ويكررها ويعيدها مرة بعد أخرى وهو مع ذلك غافل عن مقصود الرسالة. ومراعاة حرمة المجلس. وبهذا يرد إلى دار المجانين ويحكم عليه بفقد العقل. الفرقة الرابعة وفرقة أخرى اغتروا بقراءة القرآن. فيهدرونه هدرا. وربما يختمونه فى اليوم والليلة ختما. وألسنتهم تجرى به. وقلوبهم تتردى فى أودية الأماني والتفكر فى الدنيا. ولا يتفكر فى معانى القرآن. لينزجر بزواجره. ويتعظ بمواعظه. ويقف عند أوامره ونواهيه. ويعتبر بمواضع الاعتبار منه. ويتلذذ به من حيث المعنى لا من حيث النظم. ومن قرأ كتاب الله تعالى فى اليوم والليلة مائة مرة. ثم ترك أوامره ونواهيه فهو مستحق العقوبة. وربما قد يكون له صوت لين فهو يقرأ ويتلذذ به. ويغتر باستلذاذه. ويظن أن ذلك مناجاة الله سبحانه تعالى. وسماع كلامه. وهيهات ما أبعده. إذا لذاته فى صوته. ولو أدرك لذة كلام الله تعالى ما نظر إلى صوته وطيبه. ولا تعلق خاطره به. ولذة كلام الله إنما هى من حيث المعنى. الفرقة الخامسة وفرقة أخرى اغتروا بالصوم. وربما صاموا الدهر. وصاموا الأيام الشريفة وهم فيها لا يحفظون ألسنتهم من الغيبة. ولا خواطرهم من الربا. ولا بطونهم من الحرام عند الافطار ولا من الهذيان من أنواع الفضول. وذلك غرور عظيم. وهؤلاء تركوا الواجب. وأبقوا المندوب. فظنوا أنهم يسلمون. وهيهات. إنما يسلم من أتى الله بقلب سليم. الفرقة السادسة وفرقة أخرى أخذت فى طريق الخشية والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ينكر على الناس. ويأمرهم بالخير وينسى نفسه!. وإذا أمرهم بالخير عنف وطلب الرياسة والعزة. وإذا باشر منكرا أنكر عليه. وغضب وقال: أنا المحتسب. فكيف تنكر علىَّ. وقد تجمع الناس فى مجلسه أو مسجده. ومن تأخر عنه أغلظ عليه القول. وإنما غرضه الرياء والسمعة وحب الرئاسة. وعلامة أنه لو قام بالمسجد غيره تجرأ عليه. بل منهم من يؤذن ويظن أنه يؤذن لله تعالى ولو جاء غيره وأذن فى وقت غيبته قامت عليه القيامة. وقال: لم أخذ حقى!. وزوحمت!. ومنهم من يتقيد أمام مسجد ويظن أنه على خير. وإنما غرضه أن يقال: إنه إمام المسجد. الفرقة السابعة وفرقة أخرى جاوروا بمكة والمدينة واغتروا بهما. ولم يراقبوا قلوبهم. ولم يطهروا ظواهرهم وبواطنهم. وربما كانت قلوبهم متعلقة ببلادهم. وتراهم يتحدثون بذلك. ويقولون: جاورنا بمكة كذا كذا سنة. وهم مغرورون لأن الأقوم لهم أن يكونوا ببلدة وقلوبهم متعلقة بمكة. وإن جاور أحدهم يجب عليه أن يحفظ حق الجوار. فإن جاور بمكة حفظ حق الله تعالى. وإن جاور بالمدينة حفظ حق النبى صلّى الله عليه وسلم. ومن يقدر على ذلك. وهؤلاء مغرورون بالظواهر. وظنوا أن الحيطان تنجيهم. وهيهات. وربما لا تسمح نفسه بلقمة يتصدق بها على فقير. وما أصعب المجاورة فى حق الخلق. فكيف بمجاورة الخالق!. وما أحسن مجاورته بحفظ جوارحه وقلبه. الفرقة الثامنة وفرقة أخرى زهدت فى المال وقنعت من الطعام واللباس بالدون. ومن السكن بالمساجد. وظنت أنها أدركت رتبة الزهاد. وهم مع ذلك راغبون فى الرياسة والجاه. والزهادة إنما تحصل بأحد أشياء: إما بالتعلم أو بالوعظ. أو بمجرد الزهد. فلقد تركوا أهون الأمرين. وباءوا بأعظم المهلكات. فإن الجاه أعظم من المال. ولو أخذ المال وترك الجاه. كان إلى السلامة أقرب. وهؤلاء مغرورون بظنهم أنهم من الزهاد فى الدنيا. ولم يفهموا كيف مكر بهم. وربما تقدم الأغنياء على الفقراء. ومنهم من يعجب بعلمه. ومنهم من يؤثر الخلوة وهو عن شروطها خال. ومنهم من يعطى المال فلا يأخذه خيفة أن يقال بطل زهده. وهو راغب فى الدنيا. خائف من ذم الناس. ومنهم من شدد على نفسه فى أعمال الجوامع. حتى يصلى فى اليوم مثلا ألف ركعة ويختم القرآن وهو فى جميع ذلك لا يخطر له مراعاة القلب وتفقده وتطهيره من الرياء والكبر والعجب وسائر المهلكات. وربما يظن أن العبادة الظاهرة ترجح بها كفة الحسنات. وهيهات ذرة من ذى تقوى. وخلق واحد من خلق الأكياس أفضل من أمثال الجبال عملا بالجوارح. ثم قد يغتر بقول من يقول له: إنك من أوتاد الأرض. وأولياء الله وأحبائه فيفرح لذلك. ويطهر له تزكية نفسه. ولو شوتم يوما واحدا ثلاث مرات أو مرتين لكفر وجاهد من فعل ذلك به. وربما قال لمن سبه: لا يغفر الله لك أبدا. الفرقة التاسعة وفرقة أخرى حرصت على النوافل ولم يعظم اعتدادها بالفرائض. فتارة يفرح بصلاة الضحى وصلاة الليل. وأمثال هذه النوافل فلا يجد لصلاة الفريضة لذة ولا خير من الله تعالى لشدة حرصه على المبادرة فى أول الوقت. وينسى قوله صلّى الله عليه وسلّم: (ما تقرب المتقربون بأفضل ما افترضه الله عليهم(. وترك الترتيب بين الخيرات من جملة الغرور. بل قد يتعين على الإنسان فرضان: أحدهما يفوت والآخر لا يفوت. أو نفلان أحدهما يضيق وقته والآخر متسع وقته. فإن لم يحفظ الترتيب كان مغرورا. ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى. فإن المعصية ظاهرة. وإنما الغامض تقديم بعض الطاعات على بعض. كتقديم الفرائض كلها على النوافل. وتقديم فروض الأعيان على فروض الكفايات التى لا قائم بها على ما قدم بها غيره. وتقديم الأهم من فروض الأعيان على ما دونه. وتقديم ما يفوت مثل تقديم حق الوالدة على الوالد. وتقديم الدين على القروض غيره وما أعظم العبد أن ينفذ ذلك ويرتبه. ولكن الغرور فى الترتيب دقيق خفى لا يقدر عليه إلا العلماء الراسخون فى العلم رضى الله عنهم وغفر لهم. الصنف الثالث من المغرورين


أرباب الأموال وفرقهم الفرقة الأولى فرقة منهم يحرصون على بناء المساجد والمدارس والرباطات والصهاريج للماء. وما يظهر للناس. ويكتبون أسماءهم بالآجر عليه. ليتخلده ذكرهم ويبقى بعد الموت أثرهم. وهم يظنون أنهم استحقوا المغفرة بذلك. وقد اغتروا فيه من وجهين. أحدهما: أنهم قد اكتسبوها من الظلم والشبهات والرشا والجهات المحظورة. وهم قد تعرضوا لسخط الله فى كسبها. فإذن قد عصوا الله فى كسبها. فالواجب عليهم فى التوبة ردها إلى ملاكها إن كانوا أحياء أو إلى ورثتهم. فإن لم يبق منهم أحد وانقرضوا فالواجب صرفها فى أهم المصالح. وربما يكون الأهم التفرقة على المساكين. وأى فائدة فى بنيان يستغنى عنه ويتركه ويموت. وإنما غلب على هؤلاء الرياء والشهرة ولذة الذكر. والوجه الثانى: أنهم يظنون بأنفسهم الإخلاص وقصد الخير فى الانفاق. وعلو الأبنية. ولو كلف أحد منهم أن ينفق دينارا على مسكين لم تسمح نفسه بذلك. لأن حب المدح مستكن الفرقة الثانية وفرقة أخرى ربما اكتسبوا الحلال. واجتنبوا الحرام وأنفقوه على المساجد وهى أيضا مغرورة من وجهين: أحدهما: الرياء وطلب السمعة والثناء. فإنه ربما يكون فى جواره أو بلده فقراء وصرف المال إليهم أهم. فإن المساجد كثيرة والغرض منها الجامع وحده فيجزئ عن غيره. وليس الغرض بناء المسجد فى كل سكة وفى كل درب والمساكين والفقراء محتاجون. وإنما خف عليهم دفع المال فى بناء المساجد لظهور ذلك بين الناس. ولما يسمع من الثناء عليه من الخلق فيظن أنه يعمل لله وهو يعمل لغير الله. والله أعلم بذلك. وإنما نيته عليه غضب. وإنما قال: قصدت أنه لله تعالى. والثانى: أنه يصرف ذلك فى زخرفة المساجد وتزيينها بالنقوش المنهى عنها. الشاغلة قلوب المصلين لأنهم ينظرون إليها وتشغلهم عن الخشوع فى الصلاة. وعن حضور القلب. وهو المقصود. وكلما طرأ على المصلين فى صلاتهم وفى غير صلاتهم فهو فى رقبة البانى للمسجد. إذ لا قال الحسن رضى الله عنه: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أراد أن يبنى مسجده بالمدينة أتاه جبريل فقال له: (ابنه سبعة أذرع طولاً فى السماء لا تزخرفه ولا تنقشه(. وغرور هؤلاء أنهم رأوا المنكر معروفا فاتكلوا عليه. الفرقة الثالثة وفرقة أخرى ينفقون الأموال فى الصدقات على الفقراء والمساكين. ويطلبون بها المحافل الجامعة. ومن الفقراء من عادته الشكر. والإفشاء للمعروف. ويكرهون التصدق فى السر. ويرون إخفاء الصدقة للفقير لما يأخذه منهم خيانة عليهم. وكفرانا. وربما تركوا جيرانهم جائعين. ولذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما:(فى آخر الزمان يكثر الحاج بلا سبب يهوى لهم السفر ويبسط لهم فى الرزق ويرجعون مجرمين مسلوبين يهوى بأحدهم بعيره بين القفار والرمال وجاره مأسور إلى جنبه فلا يواسيه ولا يتفقده(. الفرقة الرابعة وفرقة أخرى من أرباب الأموال. يحفظون الأموال. ويمسكونها بحكم البخل ويشتغلون بالعبادات الدينية التى لا يحتاجون فيها إلى نفقة. كصيام النهار. وقيام الليل. وختم القرآن. وهؤلاء مغرورن. لأن البخل المهلك قد استولى على باطنهم. فهم محتاجون إلى قمعه بإخراج المال. فاشتغلوا بطلب فضائل وهم مشتغلون عنها. ومثالهم مثال من دخلت فى ثوبه حية. وقد أشرف على الهلاك. وهم مشغول عنها بطلب السكنجبين ليسكن به الصفراء. ومن لدغته الحية كيف يحتاج إلى ذلك!. ولذلك قيل لبشر الحافى: إن فلانا كثير الصوم والصلاة. فقال: المسكين ترك حاله. ودخل فى حال غيره. وإنما حال هذا إطعام الطعام للجائع. والإنفاق على المساكين. فهو أفضل له من تجويع نفسه. ومن صلاته. مع جمعه للدنيا ومنعه للفقراء. الفرقة الخامسة وفرقة أخرى غلب عليهم البخل. فلا تسمح نفوسهم إلا بأداء الزكاة فقط. ثم إنهم يخرجونها من المال الخبيث الردئ الذى يرغبون عن. ويطلبون من الفقراء من يخدمهم. ويتردد فى حاجاتهم. أو من يحتاج إليه فى المستقبل للاستئجار لهم فى الخدمة. ومن لهم فيه غرض. ويسلمونها إلى شخص بعينه واحد من الكبار. ممن يستظهر بخشيته. لينال بذلك عنده منزلة. فيقوم بحاجته. وكل ذلك مفسد للنية ومحبط للعمل وصاحبه مغرور يظن أنه مطيع لله تعالى وهو فاجر إذا يطلب بعبادة الله تعالى عوضا من غيره. فهذا وغيره وأمثاله مغرورون بالأموال. الفرقة السادسة وفرقة أخرى من عوام الخلق وأرباب والأموال والفقراء. اغتروا بحضور مجالس الذكر. واعتقدوا أن ذلك يغنيهم ويكفيهم. فاتخذوا ذلك عادة ويظنون أن لهم على مجرد سماع الوعظ دون العمل. ودون الاتعاظ أجرا. وهم مغرورن لأن فضل مجالس الذكر لكونها رغبة فى الخير. وإذا لم تهج الرغبة فلا خير فيها. والرغبة محمودة. لأنها تبعث على العمل. وإن لم تبعث على العمل فلا خير فيها. وربما يغتر بما يسمعه من الوعظ. وإنما يداخله رقه كرقة النساء فيبكى!. وربما يسمع كلاما مخوفا فلا يزال يصفر بين يديه ويقول: يا سلام سلم!. ونعوذ بالله!. والحمد لله. وحسبى الله ولا حول ولا قوة إلا بالله!. ويظن أنه قد أتى بالخير كله. وهو مغرور. ومثاله مثال المريض. الذى يحضر إلى مجالس الأطباء. ويسمع ما يصفونه من الأدوية ولا يعقلها. ولا يشتغل بها ويظن أنه يجد الراحة بذلك. والجائع الذى يحضر عنده من يصف له الأطعمة اللذيذة. فكل وعظ لا يغير منك صفة تغير بدونها أفعالك. حتى تقبل على الله وتعرض عن الدنيا. وتقبل إقبالاً قويا. وإن لم تفعل فذلك الوعظ زيادة حجة عليك. فإذا رأيته وسيلة لك كنت مغرورا. الصنف الرابع من المغرورين المتصوفة


وما أغلب الغرور على هؤلاء المغرورين!! الفرقة الأولى منهم متصوفة أهل هذا الزمان إلا من عصمه الله. اغتروا بالزى والمنطق والهيبة. فشابهوا الصادقين من الصوفية فى زيهم وهيئتهم وألفاظهم وآدابهم ومراسمهم واصطلاحاتهم. وأموالهم الظاهرة فى السماع. والرقص. والطهارة. والصلاة. والجلوس على السجادة مع إطراق الرأس. وإدخاله فى الجيب كالمتفكر وفى أنفاس الصعداء. وفى خفض الصوت فى الحديث. وفى الصياح. إلى غير ذلك. فلما تعلموا ذلك ظنوا أن ذلك ينجيهم. ولم يتعبوا أنفسهم قط بالمجاهدة. والرياضة والمراقبة للقلب فى تطهير الباطن والظاهر من الآثار الخفية والجلية. وكل ذلك من منازل الصوفية. ثم إنهم يتكالبون على الحرام والشبهات. وأموال السلاطين. ويتنافسون فى الرغيف. والفلس والحبة. ويتحاسدون على النقير والقطمير. ويمزق بعضهم أعراض بعض مهما خالفه فى شئ من غرضه. وهؤلاء مغرورن. ومثالهم مثال عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال والمقاتلين ثبتت أسماؤهم فى الديوان فتزيت بزيهم. ووصلت إلى الملك. فعرضت على ميزان العرض. فوجدت عجوز سوء. فقيل لها: أما تستحين فى استهتارك بالملك! اطرحوها حول الفيل. فطرحوها حول الفيل فركضها حتى ماتت الفرقة الثانية وفرقة أخرى ازدادت على هؤلاء فى الغرور. إذا صعب عليها الاقتداء فى بذاذة الثياب. والرضا بالدون فى المطعم والمنكح والمسكن. وأرادت أن تتظاهر بالتصوف. ولم تجد بدا من التزيى بزيهم. فتركت الخز والإبريسم. وطلبت المرقعات النفسية. والفوط الرقيقة. والسجادة المصبوغة. وقيمتها أكثر من قيمة الخز والإبريسم. ولا يجتنبون معصية ظاهرة. فكيف باطنه. وإنما غرضهم رغد العيش. وأكل أموال السلاطين. وهم مع ذلك يظنون بأنفسهم الخير. وضرر هؤلاء أشد من ضرر اللصوص. لأن هؤلاء يسرقون القلوب بالزى. ويقتدى بهم الغير. فيكون بسبب هلاكهم. وإن اطلع على فضائحهم ربما ظن أهل التصوف كذلك. فيصرح بذم الصوفية على الإطلاق. الفرقة الثالثة وفرقة أخرى ادعت علم المكاشفة. ومشاهدة الحق. ومجاوزة المقامات. والوصول والملازمة فى عين الشهود. والوصول إلى القرب. ولا يعرف ذلك. ولا وصل إليه باللفظ والإثم. ويلفق من الألفاظ الطامة كلمات. فهو يردها. ويعلن أن ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين. وهو ينظر إلى الفقراء والمقرئين. والمفسرين والمحدثين. وأصناف العلماء بعين الازدراء فضلا عن العوام. حتى أن الفلاح ليترك فلاحته. والحايك حياكته. ويلازمهم أياما معدودة. ويتلقف تلك الكلمات الزائفة. فتراه يرددها كأنه يتكلم عن الوحى. ويخبر عن أسرار الأسرار ويستحقر بذلك جميع العباد والعلماء. فيقول فى العباد: أجراء متعبدون. ويقول فى العلماء: إنهم بالحديث محجوبون. ويدعى لنفسه أنه الواصل إلى الحق. وأنه من المقربين. وهو عند الله من الفجار المنافقين. وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين. لم يحكم قط علماً. ولا يهذب خلقاً. ولا يراقب قلباً سوى اتباع الهوى. وتلفيق الهذيانات. ولو اشتغلوا بما ينفعهم كان أحسن لهم. الفرقة الرابعة وفرقة أخرى جاورت هؤلاء فأحسنت الأعمال. وطلبت الحلال. واشتغلت بتفقد القلب. وصار أحدهم يدعى المقامات من الزهد. والتوكل. والرضا. والحب من غير وقوف على حقيقة هذه المقامات وشروطها وعلاماتها وآفاتها. فمنهم من يدعى الوجد وحب الله تعالى. ويزعم أنه واله بالله تعالى. ولعله قد يتخيل بالله تعالى خيالات فاسدة هى بدعة وكفر. فيدعى حب الله تعالى وقيل معرفته. وذلك لا يتصور قط. ثم إنه لا يخلو من مفارقة ما يكره الله تعالى. وإيثار هوى نفسه على أمر الله تعالى. وعن ترك الأمور حياء من الخلق. ولو خلا ما تركها حياء من الله تعالى. وليس يدرى أن كل ذلك يناقض الحب. وبعضهم ربما يميل إلى القناعة والتوكل فيخوض البوادى من غير زاد ليصحح التوكل. وليس يدرى أن ذلك بدعة لم تنقل عن السلف والصحافة رضى الله عنهم أجمعين. وقد كانوا أعرف بالتوكل منه. وما فهموا من التوكل المخاطرة بالروح وترك الزاد. بل كانوا يأخذون الزاد وهم متوكلون على الله تعالى على لا الزاد. وهذا ربما يترك الزاد وهو متوكل على سبب من الأسباب واتقى به. وما مقام من المقامات المنجية إلا وفيها غرور. وقد اعتبرها قوم. وقد ذكرنا مداخل الآفات فيها ربع المنجيات فى الإحياء. الفرقة الخامسة وفرقة أخرى ضيقت على أنفسها أمر القوت حتى طلبت منه الحلال الخالص. وأهملت تفقد القلب والجوارح فى غير هذه الخصلة الواحدة. ومنهم من أهمل الحلال فى مطعمه وملبسه ومكسبه فيتعمق فى ذلك. ولم يدر المسكين أن الله تعالى لم يرض من العباد إلا بالكمال فى الطاعات فمن اتبع البعض وأهل البعض فهو مغرور. الفرقة السادسة وفرقة أخرى ادعت حسن الخلق والتواضع والسماحة. وقصدوا الخدمة للصوفية. فجمعوا قوما وتكلفوا خدمتهم. واتخذوا ذلك شبكة لحطام الدنيا. وجمعا للمال. وإنما غرضهم التكثير والتكبير. وهم يظهرون أن غرضهم الخدمة والتبعية. ثم إنهم يجمعون من الحرام والشبهات لينفقوا عليهم. ليكثر أتباعهم. وينشر بالخدمة اسمهم. وبعضهم يأخذ من أموال السلطان وينفق عليهم. وبعضهم يأخذها لينفق فى طريق الحج على الصوفية. ويزعم أن غرضهم البر والإنفاق. وباعث جميعهم الرياء والسمعة. وذلك بإهمالهم لجميع أوامر الله تعالى ظاهرا. ورضاهم بأخذ الحرام والإنفاق منه. ومثال ذلك: كالذى ينفق ماله فى طريق الحاج. وكمن يعمر مسجد الله تعالى ويطينه بالعذرة ويزعم أن قصده العمارة. الفرقة السابعة وفرقة أخرى اشتغلت بالمجاهدة وتهذيب الأخلاق. وتطهير النفس من عيوبها. وصاروا يتعمقون فيها. فاتخذوا البحث عن عيوب النفس ومعرفة خداعها علما وحرفة لهم. فهم فى جميع الأحوال يشتغلون بالفحص عن عيوب النفس. واستنباط دقيق الكلام فى آفاتها. فيقولون: هذا فى النفس عيب. والغفلة فى كونه عيبا عيب. ويشتغلون فيها بكلمات متلبسة. وضيعوا فى ذلك أوقاتهم. وكأنهم وقفوا مع أنفسهم. ولم يشتغلوا بخالقهم. فمثالهم مثال من اشتغل بأوقات الحج وعوائقه. ولم يسلك طريق الحج. وذلك لم يغنه عن الحج. الفرقة الثامنة وفرقة أخرى جاوزت هذه المرتبة. وابتدأوا سلوك الطريق. وانفتحت لهم أبواب المعرفة. فكلما شموا من مبادئ المعرفة رائحة تعجبوا منها. وفرحوا بها. وأعجبهم غراسها. فتعلقت قلوبهم بالالتفات إليها. والتفكر فيها. وفى كيفية انفتاح بابها عليهم. واشتدادها على غيرهم. وكل ذلك غرور. لأن عجائب طريق الله تعالى ليس لها نهاية. فمن وقف مع كل أعجوبة. وتقيد بها قصرت خطاه. وحرم الوصول إلى المقصد. ومثاله مثال من قدم على ملك. فرأى باب ميدانه روضة فيها أزهار وأنوار. ولم يكن قد رآها قبل ذلك. ولا رأى مثلها. فوقف ينظر إليها حتى فاته الوقت الذى يمكنه اللقاء بالملك فانصرف خائبا. الفرقة التاسعة وفرقة أخرى جاوزت هؤلاء. ولم تلتفت إلى ما يفيض عليهم من الأنوار فى الطريق. ولا إلى ما تيسر لهم من العطايا الجزيلة. ولم يلتفتوا إليها. ولا عرجوا عليها. جادين فى السير. فلما قاربوا الوصول ظنوا أنهم وصلوا. فوقفوا. ولم يتعدوا ذلك. وغلطوا. فإن لله سبعين حجابا من نور وظلمة. ولا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب إلا ويظن أنه قد وصل. وإليه الإشارة بقوله تعالى إخبار عن إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام إذ قال:(فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) الآية. وما أكثر الحجب فى هذا المقام. فأول حجاب بين العبد وربه نفسه. فإنه أمر ربانى عظيم. وهو نور من أنوار الله تعالى. أعنى سر القلب الذى سيجلى حقيقة الحق كما هو حتى أنه يسمع جملة العالم كله. ويحيط به صور الورى. فعند ذلك سيشرق نوره إشراقا عظيما. إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه. وهو فى أول الأمر محجوب بمشكاة هى الساترة له. فإذا تجلى نوره وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله تعالى عليه. ربما التفت صاحب القلب إلى القلب. فرأى من جماله الفائق ما يدهشه. فربما صرح وقال: أنا الحق. فإن لم يتضح ما وراء ذلك. ووقف عنك هلك. وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح عليه الصلاة والسلام. لما رأوا من إشراق نور الله تعالى عليه. فغلطوا. كمن رأى كوكبا فى مرآة. أو فى ماء. فيظن أن الكواكب المرآة. فيمد يده ليأخذه. فهو مغرور. هل هناك أنواع أخرى فى طريق السلوك وأنواع الغرور فى طريق السلوك إلى الله. لا تستقصى إلا بعد شرح جميع العلوم الخفية. وذلك لا رخصة فى ذكره. وقد يجوز إظهاره حتى لا يقع المغرور فيها. وبالله التوفيق. وهو حسبى ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. تم ذلك بحمد الله وعونه على يد كاتبه لنفسه ولمن شاء الله من بعده راجى عفو ربه القريب المجيب الفقير عثمان ابن العلامة الشيخ سلمان الشافعى السويفى غفر الله ولوالديه وللمسلمين. وصلّى الله على محمد وآله وصحبه.

What are the details of the provisions of the census kits to reach the term of abstinence or divorce? //ما هي تفصيلات مراحل الطلاق ؟

  What are the details of the provisions of the census kits to reach the term of abstinence or divorce? ➌ Blog1. Tuesday, September 7, 2021 ...