صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان
بسم الله الرحمن الرحيم
أحاديث الإيمان
أولها حديث يحيى بن يعمر عن أبيه رضي الله عنهما تفرد مسلم عن البخاري بإخراجه في الصحيح واتفقا على إخراج حديث أبي هريرة الآتي الوارد في معناه وهو حديث عظيم القدر عده بعضهم في الأحاديث التي مدار الدين عليها
فقول يحيى بن يعمر يتقفرون العلم وهو بتقديم القاف على الفاء هذا هو الثابت في أصولنا وفي روايتنا وهو الرواية المشهورة فيه ومعناه يطلبونه ويتتبعونه وقيل معناه يجمعوه
ومنهم من رواة بتقديم الفاء عل القاف أي يبحثون عن غامضه ويستخرجون خفيه
وقوله وذكر من شأنهم ليس من قول يحيى بن يعمر وإنما هو من قول بعض من هو دونه من الرواة أي وذكر يحيى من شأن المذكورين غير ذلك
وما حكاه عن القدرية من قولهم إن الأمر أنف هو بضم الهمزة والنون معا أي مستأنف لم يسبق به سابق قدر ولا علم من الله تبارك وتعالى وهو مذهب غلاة القدرية وكذبوا وضلوا
وقول عمر لا نرى عليه أثر السفر، هو في أصل الحافظ أبي حازم العبدوي بخطه نرى بالنون والله أعلم قوله ﷺ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وقوله في الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره
فهذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن إذ قوله أن تؤمن معناه أن تصدق وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والصوم والحج لأنها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له
ولهذا فسر ﷺ الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس من المغنم
ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو ترك فريضة لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد
ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في مثل قوله ﷺ لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن
واسم الإسلام يتناول أيضا ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ويتناول سائر الطاعات فإن ذلك كله استسلام أيضا
فخرج مما ذكرناه وحققناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان وأن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا
فهذا والحمد لله الهادي تحقيق واف بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله وكان أحد المحققين ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة وما حققناه من ذلك موافق لمذاهب جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم والله أعلم
وتفسيره ﷺ الإحسان راجع إلى الإخلاص ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في عبادته وتمام الخشوع والخضوع رزقنا الله ذلك
وقوله أن تلد الأمة ربتها وفي الحديث بعده ربها معناه سيدتها وسيدها وهو إخبار عن كثرة أولاد السراري حينئذ إذ ولدها من سيدها بمنزلة سيدها
وقيل معناه أن تلد الإماء الملوك
والعالة هم الفقراء وفي رواية رويناها أنه سأله عنهم فقال العريب وهو تصغير العرب والمفهوم منه أهل البادية منهم أي أنهم يصيرون ملوكا ويتباهون في البناء
وقوله فلبثت مليا أي وقتا طويلا وروى الترمذي أنه قال له ذلك بعد ثلاث
وقول مسلم حدثني محمد بن عبيد الغبري هو بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة مفتوحة ثم راء مهملة منسوب إلى غبر بن غنم بطن من يشكر بن بكر بن وائل والله أعلم
حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيه جمع في تفسير الإيمان بين الإيمان بلقاء الله والإيمان بالبعث الآخر ووجهه أن لقاه تعالى يحصل بالإنتقال من الدنيا إلى دار الجزاء وذلك يتقدم على البعث
وقيل إن ذلك عبارة عن ما يكون بعد البعث عند الحساب
وأما وصف البعث بالآخر فقد قيل فيه هو مبالغة في البيان وأيضا فخروجه من الدنيا بعث أول
قلت وهذا بعيد فإن خروجه منها واقع بالموت وهو ضد البعث ووجهه عندي أن البعث حياة ثانية بعد حياة أولى ونشأة أخرة بعد نشأة أولى والله أعلم
قوله وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها فالبهم بفتح الباء أولاد الضأن عند بعضهم وقيل أولاد الضأن والمعز جميعا
وأشراط الساعة أوائلها ومقدماتها وقيل علاماتها واحدها شرط بفتح الشين والراء والله أعلم
قوله في الرواية الأخرى إذا ولدت الأمة بعلها معناه أيضا ربها أي سيدها على ما سبق تفسيره فقد ورد في اللغة بعل الشيء بمعنى ربه ومالكه والله أعلم
وقوله في رواية أخرى وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض أي الجهلة والله أعلم
حديث طلحة رضي الله عنه قوله فيه رجل ثائر الرأس بالثاء المثلثة أي قائم شعر الرأس منتفشه
وقوله نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، هو بالنون في نسمع ونفقه كذلك هو فيما عندنا من الأصول الأربعة السابقة نسبتها عن الجلودي وعن الحفاظ أبي حازم العبدوي وأبي عامر العبدري وأبي القاسم العساكري
غير أن في بعضها اقتصارا على ذلك في إحدى الكلمتين
ودوي صوته بفتح الدال المهملة وهو علوه وبعده في الهواء وقوله إلا أن تطوع محتمل لتشديد الطاء على إدغام إحدى التائين وبغير تشديد الطاء على حذف إحدى التائين تحقيقا على ما عرف في أمثاله
وقوله فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله ﷺ أفلح إن صدق
هذا الفلاح راجع إلى قوله لا انقص خاصة إذ من المعلوم عند كل من يعقل من أعرابي وعربي وعامي وخاصي أن الفلاح لا يناط بترك ما زاد على ذلك من نوافل الخيرات والطاعات وللعلم بذلك أطلق رسول الله ﷺ قوله ذلك ولم يقيده
وقوله في رواية أخرى أفلح وأبيه إن صدق ليس حلفا بأبيه وإنما هذه كلمة جرت عادة العرب بأنهم يبدؤون بها كلامهم من غير قصد لقسم محقق والله أعلم
ثم انه يشكل على غير اليقظ المتأمل أنه ذكر في تفسير الإسلام في هذا الحديث الصلوات الخمس والصوم والزكاة فحسب دون سائر ما ذكر في تفسير الإسلام في حديث جبريل ﷺ وكذلك لم يذكر الحج في حديث جبريل ﷺ من رواية أبي هريرة وهكذا أحاديث أخر في هذا الصحيح وغيره تفاوت في عدد الخصال زيادة ونقصا والمفسر واحد
فأقول والله الموفق إن ذلك ليس باختلاف صادر من رسول الله ﷺ بل ذلك ناشىء من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا إثبات وإن كان اقتصاره على ما ذكره يشعر بأن ذلك هو الكل فقد بان بما أتى به غيره من الثقات إن ذلك ليس بالكل وإن اقتصاره عليه لقصور حفظه عن تمامه
ألا ترى حديث النعمان بن قوقل الآتي ذكره في الكتاب قريبا اختلفت الروايات في خصاله بالزيادة والنقصان مع أن راوي الجميع راو واحد وهو جابر في قضية واحدة
ثم إن البخاري روى في صحيحه في حديث طلحة المذكور بعينه في رواية له فأخبره رسول الله ﷺ بشرائع الإسلام فقال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فبان بهذا صحة ما ذكرناه وللفظ هذه الرواية أعرضنا عن قول من قال في قوله لا أزيد على هذا ولا أنقص إنه ليس معناه أنه لا يتنفل بل معناه لا يزيد في المفترض بأن يفترض على نفسه ما لم يفترضه الله تعالى كما فعله أهل الكتاب والله أعلم
ثم إن ذلك لا يمنع من إيراد الجميع في الصحيح لما عرف في مسألة زيادة الثقة من أننا نقبلها ولا ننعطف على من لم يذكرها بقدح ورد والله أعلم
حديث أنس المذكور بعد هذا فيه فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق
هذا الرجل هو ضمام بن ثعلبة بضاد معجمة مكسورة وهو من بني سعد بن بكر بن هوازن قبيلة حليمة التي أرضعت سيدنا محمد رسول الله ﷺ
قال أبو عمر ابن عبد البر حافظ أهل المغرب روى حديثه ابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم وكلها طرق صحاح وذكر أن طلحة لم يسمه وهذا من أبي عمر حكم بأن النجدي المذكور في حديث طلحة هو ضمام بن ثعلبة أيضا
وفي هذا نظر لأنه إذا لم يسمه طلحة كما اعترف أبو عمر به فمن أين له أنه أراده بالرجل الذي لم يسمه وقوله أنك تزعم مع تصديق رسول الله ﷺ له دال على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب وبما ليس بمحقق بل قد يجيء بمعنى قال مستعملا في الحق المحقق وفي غيره وقد نقل مصداق ذلك أبو عمر الزاهد في شرحه للفصيح عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين قال أبو العباس ومنه قول الفقهاء زعم مالك زعم الشافعي قال معناه كله قال والله أعلم
وفي هذا الحديث دلالة على صحة ما ذهب إليه أئمة العلماء في أن العوام المقلدين مؤمنون وأنه يكتفي منهم بمجرد اعتقادهم الحق جزما من غير شك وتزلزل خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة
وذلك أنه ﷺ قرر ضماما على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه ﷺ من مناشدته ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك قائلا له إن الواجب عليك أن تستدرك ذلك من النظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية التي تفيدك العلم والله أعلم
قول أبي أيوب رضي الله عنه فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها هو ما يشد على رأس البعير من حبل أو سير أو نحو ذلك ليقاد به وأما الخطام فقد ذكر الأزهري أبو منصور اللغوي ما معناه أنه الحبل الذي يعلق في حلق البعير ثم يثنى على أنفه ولا يثقب له الأنف والله أعلم
وقوله فيه قال رسول الله ﷺ إن تمسك بما أمر به دخل الجنة رويناه مما يعتمد من أصل الحافظ أبي القاسم العساكري أمر بضم الهمزة به بالباء التي هي حرف الجر ومن خط الحافظ أبي عامر العبدري أمرته بفتح الهمزة وبالتاء المثناة من فوق التي هي ضمير المتكلم ويكون على هذا قد حذف منه به وهو جائز والله أعلم
النعمان بن قوقل بقافين على وزان نوفل
وقوله حرمت الحرام وأحللت الحلال أما تحريمه الحرام فالظاهر أنه أراد به الأمرين أن يعتقده وأن لا يفعله بخلاف تحليل الحلال فإنه يكفي فيه مجرد الإعتقاد والله أعلم
حديث ابن عمر رضي الله عنهما بني الإسلام على خمس، في بعض رواياته الاقتصار على إحدى الشهادتين وهي شهادة أن لا إله إلا الله فحسب والشهادة الأخرى محذوفة مرادة اكتفاءا بذكر إحدى القرينتين عن ذكر الأخرى
وقوله وصيام رمضان والحج فقال رجل الحج وصيام رمضان قال لا صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله ﷺ
ورويناه في كتاب أبي عوانة الإسفراييني المخرج على شرط مسلم وكتابه على العكس مما رواه مسلم وأن ابن عمر قال للرجل اجعل صيام رمضان آخرهن كما سمعت من في رسول الله ﷺ ولم يذكر رواية مسلم لهذه ولن يقاوم ذلك ما رواه مسلم وقد رواه مسلم من غير ذكر قصة الرجل من وجهين فيهما وحج البيت وصوم رمضان بتقديم الحج على الصوم
فأقول أما محافظة ابن عمر رضي الله عنهما على الترتيب في الذكر على ما سمعه من رسول الله ﷺ ونهيه عن عكسه فهو مما يصلح حجة لمن قال إن الواو تقتضي الترتيب وهو مذهب كثير من الفقهاء الشافعيين وشذوذ من النحويين
ومن قال إنها لا تقتضي الترتيب وهو المختار وقول الجمهور فله أن يقول فيما رواه مسلم لم يكن ذلك من ابن عمر لكون الواو مرتبة بل لأن صوم رمضان نزلت فرضيته في السنة الثانية من الهجرة ونزلت فرضية الحج في سنة ست وقيل سنة تسع بالتاء المثناة من فوق ومن حق الأول أن يتقدم في الذكر على الآخر
وهكذا نقول نحو ذلك في الرواية الأخرى الأهم يقدم في الذكر وإن لم يعطف ذلك بحرف الواو فكانت محافظة ابن عمر على ذلك لمثل ذلك وأما مخالفة من خالف من رواة الحديث لما نص عليه ابن عمر الراوي له في قصة الرجل فرواه عنه بتقديم ذكر الحج على ذكر الصوم
فكأن ذلك وقع ممن كان يرى الرواية بالمعنى ويرى أن تأخير الأول أو الأهم في الذكر شائع في اللسان فتصرف فيه بالتقديم والتأخير لذلك مع كونه لم يسمع نهي ابن عمر عن ذلك
فافهم ذلك فإنه من المشكل الذي لم أرهم بينوه والله أعلم
حديث وفد عبد القيس برواياته رواه مسلم من حديث شعبة وغيره عن أبي جمرة عن ابن عباس،
وأبو جمرة هذا هو بالجيم والراء المهملة وهو نصر بن عمران الضبعي البصري وليس في الصحيحين بهذه الكنية أحد سوى نصر هذا
وقد ذكرت في كتابي معرفة علوم الحديث عن بعض الحفاظ أن شعبة روى عن سبعة كلهم أبو حمزة عن ابن عباس وكلهم أبو حمزة بالحاء والزاي المنقوطة إلا واحدا هو بالجيم والراء المغفلة وهو نصر بن عمران
والفرق بينهم يدرك بأن شعبة إذا أطلق وقال عن أبي جمرة عن ابن عباس فهو نصر بن عمران وإذا روى عن غيره ممن هو بالحاء والزاي فهو يذكر اسمه أو نسبه والله أعلم
قوله في الرواية الأولى فقالوا يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر الذي نختاره فيه نصب قوله الحي على التخصيص
والخبر في قولهم من ربيعة ومعناه إنا هذا الحي حي من ربيعة وقد جاء في رواية أخرى إنا حي من ربيعة والله أعلم
قولهم ولا نخلص إليك إلا في شهر الحرام صح هكذا في أصولنا بإضافة شهر الحرام والقول فيه كالقول في نظائره من قولهم دار الآخرة ومسجد الجامع ونحو ذلك فعلى طريقة النحويين الكوفيين هو إضافة للموصوف إلى صفته وذلك عندهم سائغ ولا يسوغ ذلك أصحابنا النحويون البصريون ويقولون تقدير ذلك شهر الوقت ومسجد المكان الجامع ودار الحياة الآخرة ونحو ذلك والله أعلم
قوله ﷺ وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير
وأما الدباء فهو بدال مغفلة مضمومة ثم باء مشددة بعدها مدة وهو القرع
وأما الحنتم فهو بالحاء المهملة والنون والتاء المثناة من فوق والميم على وزان جعفر وهو جمع حنتمة وقد اختلف في معناه على وجوه أحدها وهو أقواها إنه الجرار الخضر وذلك مروي عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الأشربة من هذا الصحيح وقال به غير واحد من أهل اللغة والغريب
وقيل هو الجر الأخضر والأبيض وقيل الجر كله ويعضده ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الصحيح أنه قال هي الجرة فأطلق وقيل هو الفخار كله وقيل جرار كانت يحمل فيها الخمر من مصر وقيل من الشام وقيل جرار كانت تعمل من طين قد عجن بشعر ودم وهو مروي عن عطاء وقيل في ذلك غير ذلك وعلى هذين القولين الأخريين يزداد في علة النهي النجاسة أو خوف النجاسة
وأما النقير فقد فسره رسول الله ﷺ في رواية أبي سعيد لهذا الحديث بأنه جذع ينقر ويقذف فيه من القطيعاء أو قال من التمر ويصب عليه الماء
القطيعاء بضم القاف وبالمد على وزان الغبيراء، وهي نوع من التمر يقال له السهريز بالسين والشين وبضمهما وكسرهما
وأما المقير وفي رواية المزفت فهو المطلي بالقار والزفت
وقد قيل الزفت هو القار وفي عرفنا الزفت نوع من القار وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال المزفت هو المقير
ثم إن المعنى في النهي عن انتباذ النبيذ الحلو في هذه الأوعية إن النبيذ فيها يسرع إليه الإسكار وهو فساد وأيضا فربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه بعد
ثم إن هذا النهي نسخ بدلالة حديث بريدة بن الحصيب وغيره في ذلك وسيأتي في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وهو أعلم
صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح
مقدمة | الفصل الأول | الفصل الثاني | الفصل الثالث | الفصل الرابع | الفصل الخامس | الفصل السادس | الفصل السابع | الفصل الثامن | الفصل التاسع | الفصل العاشر | تنبيهات | أحاديث الإيمان: 1 | 2 | 3 | 4 | أحاديث النهي عن الاستمطار بالأنواء | أحاديث ذكرها مسلم في ذم الكبر أعاذنا الله منه
بسم الله الرحمن الرحيم
أحاديث الإيمان
أولها حديث يحيى بن يعمر عن أبيه رضي الله عنهما تفرد مسلم عن البخاري بإخراجه في الصحيح واتفقا على إخراج حديث أبي هريرة الآتي الوارد في معناه وهو حديث عظيم القدر عده بعضهم في الأحاديث التي مدار الدين عليها
فقول يحيى بن يعمر يتقفرون العلم وهو بتقديم القاف على الفاء هذا هو الثابت في أصولنا وفي روايتنا وهو الرواية المشهورة فيه ومعناه يطلبونه ويتتبعونه وقيل معناه يجمعوه
ومنهم من رواة بتقديم الفاء عل القاف أي يبحثون عن غامضه ويستخرجون خفيه
وقوله وذكر من شأنهم ليس من قول يحيى بن يعمر وإنما هو من قول بعض من هو دونه من الرواة أي وذكر يحيى من شأن المذكورين غير ذلك
وما حكاه عن القدرية من قولهم إن الأمر أنف هو بضم الهمزة والنون معا أي مستأنف لم يسبق به سابق قدر ولا علم من الله تبارك وتعالى وهو مذهب غلاة القدرية وكذبوا وضلوا
وقول عمر لا نرى عليه أثر السفر، هو في أصل الحافظ أبي حازم العبدوي بخطه نرى بالنون والله أعلم قوله ﷺ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا وقوله في الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره
فهذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن إذ قوله أن تؤمن معناه أن تصدق وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والصوم والحج لأنها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له
ولهذا فسر ﷺ الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس من المغنم
ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو ترك فريضة لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد
ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في مثل قوله ﷺ لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن
واسم الإسلام يتناول أيضا ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ويتناول سائر الطاعات فإن ذلك كله استسلام أيضا
فخرج مما ذكرناه وحققناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان وأن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا
فهذا والحمد لله الهادي تحقيق واف بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله وكان أحد المحققين ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة وما حققناه من ذلك موافق لمذاهب جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم والله أعلم
وتفسيره ﷺ الإحسان راجع إلى الإخلاص ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في عبادته وتمام الخشوع والخضوع رزقنا الله ذلك
وقوله أن تلد الأمة ربتها وفي الحديث بعده ربها معناه سيدتها وسيدها وهو إخبار عن كثرة أولاد السراري حينئذ إذ ولدها من سيدها بمنزلة سيدها
وقيل معناه أن تلد الإماء الملوك
والعالة هم الفقراء وفي رواية رويناها أنه سأله عنهم فقال العريب وهو تصغير العرب والمفهوم منه أهل البادية منهم أي أنهم يصيرون ملوكا ويتباهون في البناء
وقوله فلبثت مليا أي وقتا طويلا وروى الترمذي أنه قال له ذلك بعد ثلاث
وقول مسلم حدثني محمد بن عبيد الغبري هو بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة مفتوحة ثم راء مهملة منسوب إلى غبر بن غنم بطن من يشكر بن بكر بن وائل والله أعلم
حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيه جمع في تفسير الإيمان بين الإيمان بلقاء الله والإيمان بالبعث الآخر ووجهه أن لقاه تعالى يحصل بالإنتقال من الدنيا إلى دار الجزاء وذلك يتقدم على البعث
وقيل إن ذلك عبارة عن ما يكون بعد البعث عند الحساب
وأما وصف البعث بالآخر فقد قيل فيه هو مبالغة في البيان وأيضا فخروجه من الدنيا بعث أول
قلت وهذا بعيد فإن خروجه منها واقع بالموت وهو ضد البعث ووجهه عندي أن البعث حياة ثانية بعد حياة أولى ونشأة أخرة بعد نشأة أولى والله أعلم
قوله وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها فالبهم بفتح الباء أولاد الضأن عند بعضهم وقيل أولاد الضأن والمعز جميعا
وأشراط الساعة أوائلها ومقدماتها وقيل علاماتها واحدها شرط بفتح الشين والراء والله أعلم
قوله في الرواية الأخرى إذا ولدت الأمة بعلها معناه أيضا ربها أي سيدها على ما سبق تفسيره فقد ورد في اللغة بعل الشيء بمعنى ربه ومالكه والله أعلم
وقوله في رواية أخرى وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض أي الجهلة والله أعلم
حديث طلحة رضي الله عنه قوله فيه رجل ثائر الرأس بالثاء المثلثة أي قائم شعر الرأس منتفشه
وقوله نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، هو بالنون في نسمع ونفقه كذلك هو فيما عندنا من الأصول الأربعة السابقة نسبتها عن الجلودي وعن الحفاظ أبي حازم العبدوي وأبي عامر العبدري وأبي القاسم العساكري
غير أن في بعضها اقتصارا على ذلك في إحدى الكلمتين
ودوي صوته بفتح الدال المهملة وهو علوه وبعده في الهواء وقوله إلا أن تطوع محتمل لتشديد الطاء على إدغام إحدى التائين وبغير تشديد الطاء على حذف إحدى التائين تحقيقا على ما عرف في أمثاله
وقوله فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله ﷺ أفلح إن صدق
هذا الفلاح راجع إلى قوله لا انقص خاصة إذ من المعلوم عند كل من يعقل من أعرابي وعربي وعامي وخاصي أن الفلاح لا يناط بترك ما زاد على ذلك من نوافل الخيرات والطاعات وللعلم بذلك أطلق رسول الله ﷺ قوله ذلك ولم يقيده
وقوله في رواية أخرى أفلح وأبيه إن صدق ليس حلفا بأبيه وإنما هذه كلمة جرت عادة العرب بأنهم يبدؤون بها كلامهم من غير قصد لقسم محقق والله أعلم
ثم انه يشكل على غير اليقظ المتأمل أنه ذكر في تفسير الإسلام في هذا الحديث الصلوات الخمس والصوم والزكاة فحسب دون سائر ما ذكر في تفسير الإسلام في حديث جبريل ﷺ وكذلك لم يذكر الحج في حديث جبريل ﷺ من رواية أبي هريرة وهكذا أحاديث أخر في هذا الصحيح وغيره تفاوت في عدد الخصال زيادة ونقصا والمفسر واحد
فأقول والله الموفق إن ذلك ليس باختلاف صادر من رسول الله ﷺ بل ذلك ناشىء من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفي ولا إثبات وإن كان اقتصاره على ما ذكره يشعر بأن ذلك هو الكل فقد بان بما أتى به غيره من الثقات إن ذلك ليس بالكل وإن اقتصاره عليه لقصور حفظه عن تمامه
ألا ترى حديث النعمان بن قوقل الآتي ذكره في الكتاب قريبا اختلفت الروايات في خصاله بالزيادة والنقصان مع أن راوي الجميع راو واحد وهو جابر في قضية واحدة
ثم إن البخاري روى في صحيحه في حديث طلحة المذكور بعينه في رواية له فأخبره رسول الله ﷺ بشرائع الإسلام فقال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فبان بهذا صحة ما ذكرناه وللفظ هذه الرواية أعرضنا عن قول من قال في قوله لا أزيد على هذا ولا أنقص إنه ليس معناه أنه لا يتنفل بل معناه لا يزيد في المفترض بأن يفترض على نفسه ما لم يفترضه الله تعالى كما فعله أهل الكتاب والله أعلم
ثم إن ذلك لا يمنع من إيراد الجميع في الصحيح لما عرف في مسألة زيادة الثقة من أننا نقبلها ولا ننعطف على من لم يذكرها بقدح ورد والله أعلم
حديث أنس المذكور بعد هذا فيه فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق
هذا الرجل هو ضمام بن ثعلبة بضاد معجمة مكسورة وهو من بني سعد بن بكر بن هوازن قبيلة حليمة التي أرضعت سيدنا محمد رسول الله ﷺ
قال أبو عمر ابن عبد البر حافظ أهل المغرب روى حديثه ابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم وكلها طرق صحاح وذكر أن طلحة لم يسمه وهذا من أبي عمر حكم بأن النجدي المذكور في حديث طلحة هو ضمام بن ثعلبة أيضا
وفي هذا نظر لأنه إذا لم يسمه طلحة كما اعترف أبو عمر به فمن أين له أنه أراده بالرجل الذي لم يسمه وقوله أنك تزعم مع تصديق رسول الله ﷺ له دال على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب وبما ليس بمحقق بل قد يجيء بمعنى قال مستعملا في الحق المحقق وفي غيره وقد نقل مصداق ذلك أبو عمر الزاهد في شرحه للفصيح عن شيخه أبي العباس ثعلب عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين قال أبو العباس ومنه قول الفقهاء زعم مالك زعم الشافعي قال معناه كله قال والله أعلم
وفي هذا الحديث دلالة على صحة ما ذهب إليه أئمة العلماء في أن العوام المقلدين مؤمنون وأنه يكتفي منهم بمجرد اعتقادهم الحق جزما من غير شك وتزلزل خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة
وذلك أنه ﷺ قرر ضماما على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه ﷺ من مناشدته ومجرد إخباره إياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك قائلا له إن الواجب عليك أن تستدرك ذلك من النظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية التي تفيدك العلم والله أعلم
قول أبي أيوب رضي الله عنه فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها هو ما يشد على رأس البعير من حبل أو سير أو نحو ذلك ليقاد به وأما الخطام فقد ذكر الأزهري أبو منصور اللغوي ما معناه أنه الحبل الذي يعلق في حلق البعير ثم يثنى على أنفه ولا يثقب له الأنف والله أعلم
وقوله فيه قال رسول الله ﷺ إن تمسك بما أمر به دخل الجنة رويناه مما يعتمد من أصل الحافظ أبي القاسم العساكري أمر بضم الهمزة به بالباء التي هي حرف الجر ومن خط الحافظ أبي عامر العبدري أمرته بفتح الهمزة وبالتاء المثناة من فوق التي هي ضمير المتكلم ويكون على هذا قد حذف منه به وهو جائز والله أعلم
النعمان بن قوقل بقافين على وزان نوفل
وقوله حرمت الحرام وأحللت الحلال أما تحريمه الحرام فالظاهر أنه أراد به الأمرين أن يعتقده وأن لا يفعله بخلاف تحليل الحلال فإنه يكفي فيه مجرد الإعتقاد والله أعلم
حديث ابن عمر رضي الله عنهما بني الإسلام على خمس، في بعض رواياته الاقتصار على إحدى الشهادتين وهي شهادة أن لا إله إلا الله فحسب والشهادة الأخرى محذوفة مرادة اكتفاءا بذكر إحدى القرينتين عن ذكر الأخرى
وقوله وصيام رمضان والحج فقال رجل الحج وصيام رمضان قال لا صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله ﷺ
ورويناه في كتاب أبي عوانة الإسفراييني المخرج على شرط مسلم وكتابه على العكس مما رواه مسلم وأن ابن عمر قال للرجل اجعل صيام رمضان آخرهن كما سمعت من في رسول الله ﷺ ولم يذكر رواية مسلم لهذه ولن يقاوم ذلك ما رواه مسلم وقد رواه مسلم من غير ذكر قصة الرجل من وجهين فيهما وحج البيت وصوم رمضان بتقديم الحج على الصوم
فأقول أما محافظة ابن عمر رضي الله عنهما على الترتيب في الذكر على ما سمعه من رسول الله ﷺ ونهيه عن عكسه فهو مما يصلح حجة لمن قال إن الواو تقتضي الترتيب وهو مذهب كثير من الفقهاء الشافعيين وشذوذ من النحويين
ومن قال إنها لا تقتضي الترتيب وهو المختار وقول الجمهور فله أن يقول فيما رواه مسلم لم يكن ذلك من ابن عمر لكون الواو مرتبة بل لأن صوم رمضان نزلت فرضيته في السنة الثانية من الهجرة ونزلت فرضية الحج في سنة ست وقيل سنة تسع بالتاء المثناة من فوق ومن حق الأول أن يتقدم في الذكر على الآخر
وهكذا نقول نحو ذلك في الرواية الأخرى الأهم يقدم في الذكر وإن لم يعطف ذلك بحرف الواو فكانت محافظة ابن عمر على ذلك لمثل ذلك وأما مخالفة من خالف من رواة الحديث لما نص عليه ابن عمر الراوي له في قصة الرجل فرواه عنه بتقديم ذكر الحج على ذكر الصوم
فكأن ذلك وقع ممن كان يرى الرواية بالمعنى ويرى أن تأخير الأول أو الأهم في الذكر شائع في اللسان فتصرف فيه بالتقديم والتأخير لذلك مع كونه لم يسمع نهي ابن عمر عن ذلك
فافهم ذلك فإنه من المشكل الذي لم أرهم بينوه والله أعلم
حديث وفد عبد القيس برواياته رواه مسلم من حديث شعبة وغيره عن أبي جمرة عن ابن عباس،
وأبو جمرة هذا هو بالجيم والراء المهملة وهو نصر بن عمران الضبعي البصري وليس في الصحيحين بهذه الكنية أحد سوى نصر هذا
وقد ذكرت في كتابي معرفة علوم الحديث عن بعض الحفاظ أن شعبة روى عن سبعة كلهم أبو حمزة عن ابن عباس وكلهم أبو حمزة بالحاء والزاي المنقوطة إلا واحدا هو بالجيم والراء المغفلة وهو نصر بن عمران
والفرق بينهم يدرك بأن شعبة إذا أطلق وقال عن أبي جمرة عن ابن عباس فهو نصر بن عمران وإذا روى عن غيره ممن هو بالحاء والزاي فهو يذكر اسمه أو نسبه والله أعلم
قوله في الرواية الأولى فقالوا يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر الذي نختاره فيه نصب قوله الحي على التخصيص
والخبر في قولهم من ربيعة ومعناه إنا هذا الحي حي من ربيعة وقد جاء في رواية أخرى إنا حي من ربيعة والله أعلم
قولهم ولا نخلص إليك إلا في شهر الحرام صح هكذا في أصولنا بإضافة شهر الحرام والقول فيه كالقول في نظائره من قولهم دار الآخرة ومسجد الجامع ونحو ذلك فعلى طريقة النحويين الكوفيين هو إضافة للموصوف إلى صفته وذلك عندهم سائغ ولا يسوغ ذلك أصحابنا النحويون البصريون ويقولون تقدير ذلك شهر الوقت ومسجد المكان الجامع ودار الحياة الآخرة ونحو ذلك والله أعلم
قوله ﷺ وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير
وأما الدباء فهو بدال مغفلة مضمومة ثم باء مشددة بعدها مدة وهو القرع
وأما الحنتم فهو بالحاء المهملة والنون والتاء المثناة من فوق والميم على وزان جعفر وهو جمع حنتمة وقد اختلف في معناه على وجوه أحدها وهو أقواها إنه الجرار الخضر وذلك مروي عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الأشربة من هذا الصحيح وقال به غير واحد من أهل اللغة والغريب
وقيل هو الجر الأخضر والأبيض وقيل الجر كله ويعضده ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الصحيح أنه قال هي الجرة فأطلق وقيل هو الفخار كله وقيل جرار كانت يحمل فيها الخمر من مصر وقيل من الشام وقيل جرار كانت تعمل من طين قد عجن بشعر ودم وهو مروي عن عطاء وقيل في ذلك غير ذلك وعلى هذين القولين الأخريين يزداد في علة النهي النجاسة أو خوف النجاسة
وأما النقير فقد فسره رسول الله ﷺ في رواية أبي سعيد لهذا الحديث بأنه جذع ينقر ويقذف فيه من القطيعاء أو قال من التمر ويصب عليه الماء
القطيعاء بضم القاف وبالمد على وزان الغبيراء، وهي نوع من التمر يقال له السهريز بالسين والشين وبضمهما وكسرهما
وأما المقير وفي رواية المزفت فهو المطلي بالقار والزفت
وقد قيل الزفت هو القار وفي عرفنا الزفت نوع من القار وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال المزفت هو المقير
ثم إن المعنى في النهي عن انتباذ النبيذ الحلو في هذه الأوعية إن النبيذ فيها يسرع إليه الإسكار وهو فساد وأيضا فربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه بعد
ثم إن هذا النهي نسخ بدلالة حديث بريدة بن الحصيب وغيره في ذلك وسيأتي في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وهو أعلم
صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح
مقدمة | الفصل الأول | الفصل الثاني | الفصل الثالث | الفصل الرابع | الفصل الخامس | الفصل السادس | الفصل السابع | الفصل الثامن | الفصل التاسع | الفصل العاشر | تنبيهات | أحاديث الإيمان: 1 | 2 | 3 | 4 | أحاديث النهي عن الاستمطار بالأنواء | أحاديث ذكرها مسلم في ذم الكبر أعاذنا الله منه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق