مالك الإمام ( ع )
هو شيخ الإسلام ، حجة الأمة ، إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث ، وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن [ ص: 49 ] زرعة ، وهو حمير الأصغر الحميري ثم الأصبحي المدني ، حليف بني تيم من قريش ، فهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة .
وأمه هي : عالية بنت شريك الأزدية . وأعمامه هم : أبو سهيل نافع وأويس ، والربيع ، والنضر ، أولاد أبي عامر .
وقد روى الزهري عن والده أنس ، وعميه أويس وأبي سهيل . وقال : مولى التيميين ، وروى أبو أويس عبد الله عن عمه الربيع ، وكان أبوهم من كبار علماء التابعين . أخذ عن عثمان وطائفة .
مولد مالك على الأصح في سنة ثلاث وتسعين عام موت أنس خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونشأ في صون ورفاهية وتجمل . وطلب العلم وهو حدث بعيد موت القاسم وسالم . فأخذ عن نافع ، وسعيد المقبري ، وعامر بن عبد الله بن الزبير ، وابن المنكدر ، والزهري ، وعبد الله بن دينار ، وخلق سنذكرهم على المعجم ، وإلى جانب كل واحد منهم ما روى عنه في الموطأ ، كم عدده . وهم : إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أيوب بن أبي تميمة السختياني عالم البصرة ، أيوب بن حبيب الجهني مولى سعد بن مالك ، . إبراهيم بن عقبة ، إسماعيل بن أبي حكيم ، إسماعيل بن محمد بن سعد ، ثور بن زيد الديلي ، جعفر بن محمد ، حميد الطويل ، حميد بن قيس الأعرج ، خبيب بن عبد الرحمن ، داود بن الحصين ، داود أبو ليلى بن عبد الله في القسامة ، ربيعة الرأي ، زيد بن أسلم ، زيد بن رباح ، زياد بن سعد [ ص: 50 ] زيد بن أبي أنيسة ، سالم أبو النضر ، سعيد بن أبي سعيد ، سمي مولى أبي بكر ، سلمة بن دينار أبو حازم ، سهيل بن أبي صالح ، سلمة بن صفوان الزرقي ، سعد بن إسحاق ، سعيد بن عمرو بن شرحبيل ، شريك بن أبي نمر ، صالح بن كيسان ، صفوان بن سليم ، صيفي مولى ابن أفلح ، ضمرة بن سعيد ، طلحة بن عبد الملك ، عامر بن عبد الله بن الزبير ، عبد الله بن الفضل ، عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ، عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عبد الله بن يزيد مولى الأسود ، عبد الله بن دينار ، أبو الزناد عبد الله بن ذكوان .
عبد الرحمن بن القاسم ، عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عبد الله بن عبد الرحمن أبو طوالة ، عبيد الله بن سليمان الأغر ، عبيد الله بن عبد الرحمن ، عبد الرحمن بن حرملة ، عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عبد المجيد بن سهيل ، عبد ربه بن سعيد ، عبد الكريم الجزري ، عطاء الخراساني ، عمرو بن الحارث ، عمرو بن أبي عمرو ، عمرو بن يحيى بن عمار ، علقمة بن أبي علقمة ، العلاء بن عبد الرحمن ، فضيل بن أبي عبد الله ، قطن بن وهب ، الزهري ، ابن المنكدر ، أبو الزبير ، محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة ، محمد بن عمرو بن حلحلة ، محمد بن عمارة ، محمد بن أبي أمامة ، محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة ، محمد بن أبي بكر الثقفي ، محمد بن عمرو بن علقمة ، محمد بن يحيى بن حبان ، محمد بن أبي بكر بن حزم ، أبو الرجال محمد ، موسى بن عقبة ، موسى بن ميسرة ، موسى بن أبي تميم ، مخرمة بن سليمان ، مسلم بن أبي مريم ، المسور بن رفاعة ، نافع ، أبو [ ص: 51 ] سهيل نافع بن مالك ، نعيم المجمر ، وهب بن كيسان ، هاشم بن هاشم الوقاصي ، هلال بن أبي ميمونة ، هشام بن عروة ، يحيى بن سعيد الأنصاري ، يزيد بن خصيفة ، يزيد بن أبي زياد المدني ، يزيد بن عبد الله بن الهاد ، يزيد بن رومان ، يزيد بن عبد الله بن قسيط ، يونس بن يوسف بن حماس ، أبو بكر بن عمر العمري ، أبو بكر بن نافع ، الثقة عنده ، الثقة .
فعنهم كلهم ست مائة وستة وثلاثون حديثا ، وستة أحاديث عمن لم يسم ، واختلف في ذلك في أحد وسبعين حديثا .
وممن روى عنه مالك مقاطيع : عبد الكريم بن أبي المخارق ، ومحمد بن عقبة ، وعمر بن حسين ، وكثير بن زيد ، وكثير بن فرقد ، ومحمد بن عبيد الله بن أبي مريم ، وعثمان بن حفص بن خلدة ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، ويعقوب بن يزيد بن طلحة ، ويحيى بن محمد بن طحلاء ، وسعيد بن عبد الرحمن بن رقيش ، وعبد الرحمن بن المجبر ، والصلت بن زييد وأبو عبيد حاجب سليمان ، ومحمد بن يوسف ، وعفيف بن عمرو ، ومحمد بن زيد بن قنفذ ، وأبو جعفر القارئ ، وعمر بن محمد بن زيد ، وصدقة بن يسار المكي ، وزياد بن أبي زياد ، وعمارة بن صياد ، وسعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن عمرو بن سليم ، وعروة بن أذينة ، وأيوب بن موسى ، ومحمد بن أبي حرملة ، وأبو بكر بن عثمان ، وجميل بن عبد الرحمن المؤذن ، وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الله [ ص: 52 ] بن عبد ، وعمرو بن عبيد الله الأنصاري ، وإبراهيم بن أبي عبلة ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند ، ويزيد بن حفص ، وعاصم بن عبيد الله ، وثابت الأحنف ، وعبد الرحمن بن أبي حبيب ، وعمر بن أبي دلاف ، وعبد الملك بن قريز ، والوليد بن عبد الله بن صياد ، وعائشة بنت سعد .
وفي " الموطأ " عدة مراسيل أيضا عن الزهري ، ويحيى الأنصاري وهشام بن عروة . عمل الإمام الدارقطني أطراف جميع ذلك في جزء كبير ، فشفى وبين ، وقد كنت أفردت أسماء الرواة عنه في جزء كبير يقارب عددهم ألفا وأربعمائة ، فلنذكر أعيانهم .
حدث عنه من شيوخه : عمه أبو سهيل ، ويحيى بن أبي كثير ، والزهري ، ويحيى بن سعيد ، ويزيد بن الهاد ، وزيد بن أبي أنيسة ، وعمر بن محمد بن زيد ، وغيرهم .
ومن أقرانه : معمر ، وابن جريج ، وأبو حنيفة ، وعمرو بن الحارث ، والأوزاعي ، وشعبة ، والثوري ، وجويرية بن أسماء ، والليث ، وحماد بن زيد ، وخلق ، وإسماعيل بن جعفر ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك ، والدراوردي ، وابن أبي الزناد ، وابن علية ، ويحيى بن أبي زائدة ، وأبو إسحاق الفزاري ، ومحمد بن الحسن الفقيه ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ومعن بن عيسى القزاز ، وعبد الله بن وهب ، وأبو قرة موسى بن طارق ، والنعمان بن عبد السلام ، ووكيع ، والوليد بن مسلم ، ويحيى القطان ، وإسحاق بن سليمان الرازي ، وأنس بن عياض الليثي ، وضمرة بن ربيعة ، وأمية بن خالد ، وبشر بن السري [ ص: 53 ] الأفوه ، وبقية بن الوليد ، وبكر بن الشرود الصنعاني ، وأبو أسامة ، وحجاج بن محمد ، وروح بن عبادة ، وأشهب بن عبد العزيز ، وأبو عبد الله الشافعي ، وعبد الله بن عبد الحكم ، وزياد بن عبد الرحمن شبطون الأندلسي ، وأبو داود الطيالسي ، وأبو كامل مظفر بن مدرك ، وأبو عاصم النبيل ، وعبد الرزاق ، وأبو عامر العقدي ، وأبو مسهر الدمشقي ، وعبد الله بن نافع الصائغ ، وعبد الله بن عثمان المروزي عبدان ، ومروان بن محمد الطاطري ، وعبد الله بن يوسف التنيسي ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، ومعلى بن منصور الرازي ، ومنصور بن سلمة الخزاعي ، والهيثم بن جميل الأنطاكي ، وهشام بن عبيد الله الرازي ، وأسد بن موسى ، وآدم بن أبي إياس ، ومحمد بن عيسى بن الطباع ، وخالد بن مخلد القطواني ، ويحيى بن صالح الوحاظي ، وأبو بكر ، وإسماعيل ابنا أبي أويس ، وعلي بن الجعد ، وخلف بن هشام .
ويحيى بن يحيى التميمي ، ويحيى بن يحيى الليثي ، وسعيد بن منصور ، ويحيى بن بكير ، وأبو جعفر النفيلي ، وقتيبة بن سعيد ، ومصعب بن عبد الله الزبيري ، وأبو مصعب الزهري ، وأحمد بن يونس اليربوعي ، وسويد بن سعيد ، ومحمد بن سليمان لوين ، وهشام بن عمار ، وأحمد بن حاتم الطويل ، وأحمد بن نصر الخزاعي الشهيد ، وأحمد بن محمد الأزرقي ، وإبراهيم بن يوسف البلخي الماكياني ، وإبراهيم بن سليمان الزيات البلخي ، وإسماعيل بن موسى الفزاري ، وإسحاق بن عيسى بن الطباع أخو محمد ، وإسحاق بن محمد الفروي ، وإسحاق بن الفرات ، وإسحاق بن إبراهيم الحنيني ، وبشر بن الوليد الكندي ، وحبيب بن أبي حبيب كاتب مالك ، والحكم بن المبارك الخاشتي وخالد بن خداش المهلبي ، وخلف بن هشام البزار ، وزهير [ ص: 54 ] بن عباد الرؤاسي ، وسعيد بن عفير المصري ، وسعيد بن داود الزبيري ، وسعيد بن أبي مريم ، وأبو الربيع سليمان بن داود الزهراني ، وصالح بن عبد الله الترمذي ، وعبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري ، وعبد الله بن نافع الجمحي ، وعبد الرحمن بن عمرو البجلي الحراني ، وعبد الأعلى بن حماد النرسي ، وعبد العزيز بن يحيى المدني ، وأبو نعيم عبيد بن هشام الحلبي ، وعلي بن عبد الحميد المعني ، وعتبة بن عبد الله اليحمدي المروزي ، وعمرو بن خالد الحراني ، وعاصم بن علي الواسطي ، وعباس بن الوليد النرسي ، وكامل بن طلحة ، ومحمد بن معاوية النيسابوري ، ومحمد بن عمر الواقدي ، وأبو الأحوص محمد بن حبان البغوي ، ومحمد بن جعفر الوركاني ، ومحمد بن إبراهيم بن أبي سكينة ، ومنصور بن أبي مزاحم ، ومطرف بن عبد الله اليساري ، ومحرز بن سلمة العدني ، ومحرز بن عون ، والهيثم بن خارجة ، ويحيى بن قزعة المدني ، ويحيى بن سليمان بن نضلة المدني ، ويزيد بن صالح النيسابوري الفراء .
وآخر أصحابه موتا راوي " الموطأ " أبو حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي ، عاش بعد مالك ثمانين عاما .
وقد حج قديما ، ولحق عطاء بن أبي رباح ، فقال مصعب الزبيري : سمعت ابن أبي الزبير ، يقول : حدثنا مالك ، قال : رأيت عطاء بن أبي رباح دخل المسجد ، وأخذ برمانة المنبر ، ثم استقبل القبلة . [ ص: 55 ]
قال معن ، والواقدي ، ومحمد بن الضحاك : حملت أم مالك بمالك ثلاث سنين . وعن الواقدي قال : حملت به سنتين .
وطلب مالك العلم ، وهو ابن بضع عشرة سنة ، وتأهل للفتيا ، وجلس للإفادة ، وله إحدى وعشرون سنة ، وحدث عنه جماعة وهو حي شاب طري ، وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور وما بعد ذلك ، وازدحموا عليه في خلافة الرشيد ، وإلى أن مات .
أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الغني المعدل ، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف ، أخبرنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن أبي القاسم الخطيب ، قالا : أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا علي بن محمد بن محمد الأنباري ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي ، أخبرنا محمد بن مخلد ، حدثنا أبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار ، حدثنا ابن عيينة عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم ، فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة . وبه إلى ابن مخلد : حدثنا ليث بن الفرج ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن أبي صالح ، عن [ ص: 56 ] أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يأتي على الناس زمان يضربون أكباد الإبل . . . فذكر الحديث . هذا حديث نظيف الإسناد ، غريب المتن . رواه عدة عن سفيان بن عيينة . وفي لفظ : يوشك أن يضرب الناس آباط الإبل يلتمسون العلم وفي لفظ : من عالم بالمدينة وفي لفظ : أفقه من عالم المدينة .
وقد رواه المحاربي عن ابن جريج موقوفا ، ويروى عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن ابن جريج مرفوعا . .
وقد رواه النسائي فقال : حدثنا علي بن أحمد ، حدثنا محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يضربون أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة قال النسائي : هذا خطأ ، الصواب عن أبي الزبير ، عن أبي صالح .
معن بن عيسى ، عن أبي المنذر زهير التميمي ، قال : قال عبيد الله بن عمر ، عن سعيد بن أبي هند ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يخرج ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم ، فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة .
ويروى عن ابن عيينة قال : كنت أقول : هو سعيد بن المسيب ، حتى قلت : كان في زمانه سليمان بن يسار ، وسالم بن عبد الله ، وغيرهما ، ثم أصبحت اليوم أقول : إنه مالك ، لم يبق له نظير بالمدينة . [ ص: 57 ]
قال القاضي عياض : هذا هو الصحيح عن سفيان . رواه عنه ابن مهدي وابن معين ، وذؤيب بن عمامة وابن المديني ، والزبير بن بكار ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، كلهم سمع سفيان يفسره بمالك ، أو يقول : وأظنه ، أو أحسبه ، أو أراه ، أو كانوا يرونه .
وذكر أبو المغيرة المخزومي أن معناه : ما دام المسلمون يطلبون العلم لا يجدون أعلم من عالم بالمدينة . فيكون على هذا : سعيد بن المسيب ، ثم بعده من هو من شيوخ مالك ، ثم مالك ، ثم من قام بعده بعلمه ، وكان أعلم أصحابه .
قلت : كان عالم المدينة في زمانه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه ، زيد بن ثابت ، وعائشة ، ثم ابن عمر ، ثم سعيد بن المسيب ، ثم الزهري ، ثم عبيد الله بن عمر ، ثم مالك .
وعن ابن عيينة قال : مالك عالم أهل الحجاز ، وهو حجة زمانه . وقال الشافعي - وصدق وبر - إذا ذكر العلماء فمالك النجم . قال الزبير بن بكار في حديث : ليضربن الناس أكباد الإبل . . . كان سفيان بن عيينة إذا حدث بهذا في حياة مالك ، يقول : أراه مالكا . فأقام على ذلك زمانا ثم رجع بعد ، فقال : أراه عبد الله بن عبد العزيز العمري الزاهد .
قال ابن عبد البر ، وغير واحد : ليس العمري ممن يلحق في العلم والفقه بمالك ، وإن كان شريفا سيدا ، عابدا . [ ص: 58 ]
قال أحمد بن أبي خيثمة : حدثنا مصعب ، قال : أخبرنا سفيان : نرى هذا الحديث أنه هو مالك ، وكان سفيان يسألني عن أخبار مالك .
قلت : قد كان لهذا العمري علم وفقه جيد وفضل ، وكان قوالا بالحق ، أمارا بالعرف ، منعزلا عن الناس ، وكان يحض مالكا إذا خلا به على الزهد ، والانقطاع والعزلة ، فرحمهما الله .
التالي السابق
سير اعلام النبلاء
=========================
عن عيسى بن عمر قال : ما رأيت قط بياضا ولا حمرة أحسن من وجه مالك ، ولا أشد بياض ثوب من مالك . ونقل غير واحد أنه كان طوالا ، جسيما ، عظيم الهامة ، أشقر ، أبيض الرأس واللحية ، عظيم اللحية ، أصلع ، وكان لا يحفي شاربه ويراه مثلة .
وقيل : كان أزرق العين . روى بعض ذلك ابن سعد ، عن مطرف بن عبد الله .
وقال محمد بن الضحاك الحزامي : كان مالك نقي الثوب ، رقيقه ، يكثر اختلاف اللبوس .
وقال الوليد بن مسلم : كان مالك يلبس البياض ، ورأيته والأوزاعي يلبسان السيجان .
قال أشهب : كان مالك إذا اعتم ، جعل منها تحت ذقنه ، ويسدل طرفها بين كتفيه . [ ص: 70 ]
وقال خالد بن خداش : رأيت على مالك طيلسانا ، وثيابا مروية جيادا .
وقال أشهب : كان مالك إذا اكتحل للضرورة جلس في بيته .
وقال مصعب : كان يلبس الثياب العدنية ويتطيب .
وقال أبو عاصم : ما رأيت محدثا أحسن وجها من مالك .
وقيل : كان شديد البياض إلى صفرة ، أعين أشم ، كان يوفر سبلته ويحتج بفتل عمر شاربه .
وقال ابن وهب : رأيت مالكا خضب بحناء مرة .
وقال أبو مصعب : كان مالك من أحسن الناس وجها ، وأجلاهم عينا ، وأنقاهم بياضا ، وأتمهم طولا ، في جودة بدن .
وعن الواقدي : كان ربعة ، لم يخضب ، ولا دخل الحمام .
وعن بشر بن الحارث قال : دخلت على مالك ، فرأيت عليه طيلسانا يساوي خمسمائة ، وقد وقع جناحاه على عينيه أشبه شيء بالملوك .
وقال أشهب : كان مالك إذا اعتم ، جعل منها تحت حنكه ، وأرسل طرفها خلفه ، وكان يتطيب بالمسك وغيره .
وقد ساق القاضي عياض من وجوه حسن بزة الإمام ووفور تجمله .
[ ص: 71 ] في نسب مالك اختلاف مع اتفاقهم على أنه عربي أصبحي ، فقيل في جده الأعلى : عوف بن مالك بن زيد بن عامر بن ربيعة بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وإلى قحطان جماع اليمن . ولم يختلفوا أن الأصبحيين من حمير ، وحمير فمن قحطان .
نعم ، وغيمان في نسبه المشهور بغين معجمة ، ثم بآخر الحروف على المشهور ، وقيل : عثمان على الجادة وهذا لم يصح . وخثيل : بخاء معجمة ثم بمثلثة . قاله ابن سعد وغيره ، وقال إسماعيل بن أبي أويس والدارقطني : جثيل : بجيم ثم بمثلثة ، وقيل : حنبل ، وقيل : حسل ، وكلاهما تصحيف .
قال القاضي عياض : اختلف في نسب ذي أصبح اختلافا كثيرا .
مولده : تقدم أنه سنة ثلاث وتسعين ، قاله يحيى بن بكير ، وغيره ، وقيل : سنة أربع ، قاله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وعمارة بن وثيمة ، وغيرهما . وقيل : سنة سبع ، وهو شاذ .
قال خليفة بن خياط ، وإسماعيل بن أبي أويس : ذو أصبح من حمير .
وروي عن ابن إسحاق أنه زعم أن مالكا وآله موالي بني تيم ، فأخطأ وكان ذلك أقوى سبب في تكذيب الإمام مالك له ، وطعنه عليه . وقد كان مالك إماما في نقد الرجال ، حافظا مجودا متقنا .
قال بشر بن عمر الزهراني : سألت مالكا عن رجل ، فقال : هل رأيته [ ص: 72 ] في كتبي ؟ قلت : لا ، قال : لو كان ثقة لرأيته في كتبي .
فهذا القول يعطيك بأنه لا يروي إلا عمن هو عنده ثقة . ولا يلزم من ذلك أنه يروي عن كل الثقات ، ثم لا يلزم مما قال أن كل من روى عنه ، وهو عنده ثقة ، أن يكون ثقة عند باقي الحفاظ ، فقد يخفى عليه من حال شيخه ما يظهر لغيره ، إلا أنه بكل حال كثير التحري في نقد الرجال - رحمه الله .
ابن البرقي : حدثنا عثمان بن كنانة ، عن مالك ، قال : ربما جلس إلينا الشيخ ، فيحدث جل نهاره ، ما نأخذ عنه حديثا واحدا ، وما بنا أن نتهمه ، ولكن لم يكن من أهل الحديث .
إسماعيل القاضي : حدثنا عتيق بن يعقوب ، سمعت مالكا يقول : حدثنا ابن شهاب ببضعة وأربعين حديثا ، ثم قال : أعدها علي ، فأعدت عليه منها أربعين حديثا .
وقال نصر بن علي : حدثنا حسين بن عروة ، عن مالك ، قال : قدم علينا الزهري ، فأتيناه ومعنا ربيعة ، فحدثنا بنيف وأربعين حديثا ، ثم أتيناه من الغد ، فقال : انظروا كتابا حتى أحدثكم منه ، أرأيتم ما حدثتكم به أمس ، أيش في أيديكم منه ؟ فقال ربيعة : هاهنا من يرد عليك ما حدثت به أمس . قال : ومن هو ؟ قال : ابن أبي عامر . قال : هات ، فسرد له أربعين حديثا منها ، فقال الزهري : ما كنت أرى أنه بقي من يحفظ هذا غيري . [ ص: 73 ] قال البخاري عن علي بن عبد الله : لمالك نحو من ألف حديث .
قلت : أراد ما اشتهر له في " الموطأ " وغيره ، وإلا فعنده شيء كثير ما كان يفعل أن يرويه .
وروى علي ابن المديني ، عن سفيان ، قال : رحم الله مالكا ، ما كان أشد انتقاده للرجال .
ابن أبي خيثمة : حدثنا ابن معين ، قال ابن عيينة : ما نحن عند مالك ، إنما كنا نتبع آثار مالك ، وننظر الشيخ ، إن كان كتب عنه مالك ، كتبنا عنه .
وروى طاهر بن خالد الأيلي ، عن أبيه ، عن ابن عيينة ، قال : كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا ، ولا يحدث إلا عن ثقة ، ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موته - يعني من العلم .
الطحاوي : حدثنا يونس : سمعت سفيان - وذكر حديثا - فقالوا : يخالفك فيه مالك ، فقال : أتقرنني بمالك ؟ ما أنا وهو إلا كما قال جرير [ ص: 74 ]
وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس
ثم قال يونس : سمعت الشافعي يقول : مالك وابن عيينة القرينان ، ولولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز .
وهب بن جرير وغيره ، عن شعبة ، قال : قدمت المدينة بعد موت نافع بسنة ، ولمالك بن أنس حلقة .
وقال حماد بن زيد : حدثنا أيوب قال : لقد كان لمالك حلقة في حياة نافع .
وقال أشهب : سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن مالك ، وابن الماجشون ، فرفع مالكا ، وقال : ما اعتدلا في العلم قط .
ابن المديني : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : أخبرني وهيب - وكان من أبصر الناس بالحديث والرجال - أنه قدم المدينة ، قال : فلم أر أحدا إلا تعرف وتنكر إلا مالكا ، ويحيى بن سعيد الأنصاري .
قال عبد الرحمن : لا أقدم على مالك في صحة الحديث أحدا .
وقال ابن لهيعة : قلت لأبي الأسود : من للرأي بعد ربيعة بالمدينة ؟ قال : الغلام الأصبحي . [ ص: 75 ] الحارث بن مسكين : سمعت ابن وهب يقول : لولا أني أدركت مالكا ، والليث ، لضللت .
هارون بن سعيد : سمعت ابن وهب ذكر اختلاف الحديث والروايات ، فقال : لولا أني لقيت مالكا لضللت .
وقال يحيى القطان : ما في القوم أصح حديثا من مالك ، كان إماما في الحديث . قال : وسفيان الثوري فوقه في كل شيء .
قال الشافعي : قال محمد بن الحسن أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا ، وسمعت من لفظه أكثر من سبع مائة حديث ، فكان محمد إذا حدث عن مالك امتلأ منزله ، وإذا حدث عن غيره من الكوفيين ، لم يجئه إلا اليسير .
قال ابن أبي عمر العدني : سمعت الشافعي يقول : مالك معلمي ، وعنه أخذت العلم .
وعن الشافعي قال : كان مالك إذا شك في حديث ، طرحه كله .
أبو عمر بن عبد البر : حدثنا قاسم بن محمد ، حدثنا خالد بن سعد ، [ ص: 76 ] حدثنا عثمان بن عبد الرحمن ، حدثنا إبراهيم بن نصر ، سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، سمعت الشافعي يقول : قال لي محمد بن الحسن : صاحبنا أعلم من صاحبكم - يريد أبا حنيفة ومالكا - وما كان لصاحبكم أن يتكلم ، وما كان لصاحبنا أن يسكت . فغضبت ، وقلت : نشدتك الله : من أعلم بالسنة ، مالك ، أو صاحبكم ؟ فقال : مالك ، لكن صاحبنا أقيس . فقلت : نعم ، ومالك أعلم بكتاب الله وناسخه ومنسوخه ، وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي حنيفة ، ومن كان أعلم بالكتاب والسنة كان أولى بالكلام .
قال يونس بن عبد الأعلى : قال لي الشافعي : ذاكرت يوما محمد بن الحسن ، ودار بيننا كلام واختلاف ، حتى جعلت أنظر إلى أوداجه تدر وأزراره تتقطع . فقلت : نشدتك بالله ، تعلم أن صاحبنا كان أعلم بكتاب الله ؟ قال : اللهم نعم . قلت : وكان عالما باختلاف الصحابة ؟ قال : نعم .
قال ابن مهدي : أئمة الناس في زمانهم أربعة : الثوري ، ومالك ، والأوزاعي ، وحماد بن زيد ، وقال : ما رأيت أحدا أعقل من مالك .
يونس بن عبد الأعلى : حدثنا ابن وهب ، سمعت مالكا - وقال له ابن القاسم : ليس بعد أهل المدينة أحد أعلم بالبيوع من أهل مصر - فقال مالك : من أين علموا ذلك ؟ قال : منك يا أبا عبد الله . فقال : ما أعلمها أنا ، فكيف يعلمونها بي ؟ [ ص: 77 ] وعن مالك قال : جنة العالم : " لا أدري " فإذا أغفلها أصيبت مقاتله .
قال مصعب بن عبد الله : كانت حلقة مالك في زمن ربيعة مثل حلقة ربيعة وأكبر ، وقد أفتى معه عند السلطان .
الزبير بن بكار : حدثنا مطرف ، حدثنا مالك ، قال : لما أجمعت التحويل عن مجلس ربيعة ، جلست أنا وسليمان بن بلال في ناحية المسجد ، فلما قام ربيعة ، عدل إلينا ، فقال : يا مالك ، تلعب بنفسك زفنت ، وصفق لك سليمان ، بلغت إلى أن تتخذ مجلسا لنفسك ؟! ارجع إلى مجلسك .
قال الهيثم بن جميل : سمعت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة ، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها ب " لا أدري " .
وعن خالد بن خداش ، قال : قدمت على مالك بأربعين مسألة ، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل .
ابن وهب ، عن مالك ، سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول : ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول : " لا أدري " . حتى يكون ذلك أصلا يفزعون إليه .
قال ابن عبد البر : صح عن أبي الدرداء أن : " لا أدري " نصف العلم . [ ص: 78 ]
قال محمد بن رمح : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إن مالكا والليث يختلفان ، فبأيهما آخذ ؟ قال : مالك مالك .
أشهب ، عن عبد العزيز الدراوردي ، قال : دخلت مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فوافيته يخطب ، إذ أقبل مالك ، فلما أبصره النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إلي إلي ، فأقبل حتى دنا منه ، فسل - صلى الله عليه وسلم - خاتمه من خنصره ، فوضعه في خنصر مالك .
محمد بن جرير : حدثنا العباس بن الوليد ، حدثنا إبراهيم بن حماد الزهري ، سمعت مالكا يقول : قال لي المهدي : ضع يا أبا عبد الله كتابا أحمل الأمة عليه . فقلت : يا أمير المؤمنين ، أما هذا الصقع - وأشرت إلى المغرب - فقد كفيته ، وأما الشام ففيهم من قد علمت - يعني الأوزاعي - وأما العراق فهم أهل العراق .
ابن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، سمعت مالكا يقول : لما حج المنصور دعاني فدخلت عليه ، فحادثته ، وسألني فأجبته ، فقال : عزمت أن آمر بكتبك هذه - يعني " الموطأ " - فتنسخ نسخا ، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين بنسخة ، وآمرهم أن يعملوا بما فيها ، ويدعوا ما سوى ذلك من العلم المحدث ، فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم . قلت : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل ، فإن الناس قد سيقت إليهم أقاويل ، وسمعوا أحاديث ، ورووا روايات ، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم ، وعملوا به ، ودانوا به ، من اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم ، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد ، فدع الناس وما هم عليه ، وما اختار أهل كل بلد [ ص: 79 ] لأنفسهم . فقال : لعمري ، لو طاوعتني لأمرت بذلك .
قال الزبير بن بكار : حدثنا ابن مسكين ، ومحمد بن مسلمة ، قالا : سمعنا مالكا يذكر دخوله على المنصور ، وقوله في انتساخ كتبه ، وحمل الناس عليها ، فقلت : قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به ، ورد العامة عن مثل هذا عسير .
قال الواقدي : كان مالك يجلس في منزله على ضجاع ونمارق مطروحة يمنة ويسرة في سائر البيت لمن يأتي ، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم ، وكان مهيبا ، نبيلا ، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث بعد الحديث ، وربما أذن لبعضهم ، فقرأ عليه ، وكان له كاتب يقال له : حبيب . قد نسخ كتبه ، ويقرأ للجماعة ، فإذا أخطأ فتح عليه مالك ، وكان ذلك قليلا .
أبو زرعة : حدثنا أبو مسهر ، قال لي مالك : قال لي أبو جعفر : يا أبا عبد الله ، ذهب الناس ، لم يبق غيري وغيرك .
ابن وهب ، عن مالك : دخلت على أبي جعفر ، فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبلون يده ، وعوفيت ، فلم أقبل له يدا .
=====فصل=========
ولمالك - رحمه الله - رسالة في القدر ، كتبها إلى ابن وهب وإسنادها صحيح . وله مؤلف : في النجوم ومنازل القمر ، رواه سحنون ، عن ابن نافع الصائغ ، عنه مشهور . [ ص: 89 ] ورسالة في الأقضية ، مجلد ، رواية محمد بن يوسف بن مطروح ، عن عبد الله بن [ عبد ] الجليل . ورسالة إلى أبي غسان محمد بن مطرف .
ورسالة آداب إلى الرشيد ، إسنادها منقطع ، قد أنكرها إسماعيل القاضي وغيره ، وفيها أحاديث لا تعرف . قلت : هذه الرسالة موضوعة . وقال القاضي الأبهري : فيها أحاديث لو سمع مالك من يحدث بها لأدبه . وله جزء في التفسير يرويه خالد بن عبد الرحمن المخزومي ، يرويه القاضي عياض عن أبي جعفر أحمد بن سعيد ، عن أبي عبد الله محمد بن الحسن المقرئ ، عن محمد بن علي المصيصي ، عن أبيه بإسناده .
وكتاب " السر " من رواية ابن القاسم عنه ، رواه الحسن بن أحمد العثماني ، عن محمد بن عبد العزيز بن وزير الجروي ، عن الحارث بن مسكين ، عنه .
قلت : هو جزء واحد سمعه أبو محمد بن النحاس المصري ، من محمد بن بشر العكري ، حدثنا مقدام بن داود الرعيني ، حدثنا الحارث بن مسكين ، وأبو زيد بن أبي الغمر ، قالا : حدثنا ابن القاسم . [ ص: 90 ]
قال : ورسالة إلى الليث في إجماع أهل المدينة معروفة
. فأما ما نقل عنه كبار أصحابه من المسائل والفتاوى والفوائد ، فشيء كثير .
ومن كنوز ذلك : " المدونة " و " الواضحة " وأشياء .
قال مالكي : قد ندر الاجتهاد اليوم ، وتعذر ، فمالك أفضل من يقلد ، فرجح تقليده .
وقال شيخ : إن الإمام لمن التزم بتقليده ، كالنبي مع أمته ، لا تحل مخالفته .
قلت : قوله : لا تحل مخالفته ، مجرد دعوى واجتهاد بلا معرفة ، بل له
مخالفة إمامه إلى إمام آخر ، حجته في تلك المسألة أقوى ، لا بل عليه اتباع
الدليل فيما تبرهن له ، لا كمن تمذهب لإمام ، فإذا لاح له ما يوافق هواه ،
عمل به من أي مذهب كان ، ومن تتبع رخص المذاهب ، وزلات المجتهدين ، فقد رق
دينه ، كما قال الأوزاعي أو غيره : من أخذ بقول المكيين في المتعة ، والكوفيين في النبيذ ، والمدنيين في الغناء ، والشاميين في
عصمة الخلفاء ، فقد جمع الشر . وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل
عليها ، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه ، وشبه ذلك ، فقد تعرض
للانحلال ، فنسأل الله العافية والتوفيق .
ولكن : شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفا في الفقه ، فإذا حفظه ، بحثه ،
وطالع الشروح ، فإن كان ذكيا فقيه النفس ، ورأى حجج الأئمة ، فليراقب الله ،
وليحتط لدينه ، فإن خير الدين الورع ، ومن ترك الشبهات [ ص: 91 ] فقد استبرأ لدينه وعرضه ، والمعصوم من عصمه الله .
فالمقلدون صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرط ثبوت الإسناد إليهم ، ثم أئمة التابعين كعلقمة ، ومسروق ، وعبيدة السلماني ، وسعيد بن المسيب ، وأبي الشعثاء ، وسعيد بن جبير ، وعبيد الله بن عبد الله ، وعروة ، والقاسم ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي . ثم كالزهري ، وأبي الزناد ، وأيوب السختياني ، وربيعة ، وطبقتهم . ثم كأبي حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي ، وابن جريج ، ومعمر ، وابن أبي عروبة ، وسفيان الثوري ، والحمادين ، وشعبة ، والليث ، وابن الماجشون ، وابن أبي ذئب .
ثم كابن المبارك ، ومسلم الزنجي ، والقاضي أبي يوسف ، والهقل بن زياد ، ووكيع ، والوليد بن مسلم ، وطبقتهم . ثم كالشافعي ، وأبي عبيد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، والبويطي ، وأبي بكر بن أبي شيبة . ثم كالمزني ، وأبي بكر الأثرم ، والبخاري ، وداود بن علي ، ومحمد بن نصر المروزي ، وإبراهيم الحربي ، وإسماعيل القاضي . ثم كمحمد بن جرير الطبري ، وأبي بكر بن خزيمة ، وأبي عباس بن سريج ، وأبي بكر بن المنذر ، وأبي جعفر الطحاوي ، وأبي بكر الخلال
. ثم من بعد هذا النمط تناقص الاجتهاد ، ووضعت المختصرات ، وأخلد الفقهاء
إلى التقليد من غير نظر في الأعلم ، بل بحسب الاتفاق ، والتشهي ، والتعظيم ،
والعادة ، والبلد . فلو أراد الطالب اليوم أن يتمذهب في المغرب لأبي حنيفة ، لعسر عليه ، كما لو أراد أن يتمذهب لابن حنبل [ ص: 92 ] ببخارى ، وسمرقند ، لصعب عليه ، فلا يجيء منه حنبلي ، ولا من المغربي حنفي ، ولا من الهندي مالكي . وبكل حال : فإلى فقه مالك المنتهى . فعامة آرائه مسددة ، ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل ، ومراعاة المقاصد ، لكفاه .
ومذهبه قد ملأ المغرب ، والأندلس ، وكثيرا من بلاد مصر ، وبعض الشام ، واليمن ، والسودان ، وبالبصرة ، وبغداد ، والكوفة ، وبعض خراسان .
وكذلك اشتهر مذهب الأوزاعي مدة ، وتلاشى أصحابه ، وتفانوا . وكذلك مذهب سفيان وغيره
ممن سمينا ، ولم يبق اليوم إلا هذه المذاهب الأربعة . وقل من ينهض
بمعرفتها كما ينبغي ، فضلا عن أن يكون مجتهدا . وانقطع أتباع أبي ثور بعد الثلاث مائة ، وأصحاب داود إلا القليل ، وبقي مذهب ابن جرير إلى ما بعد الأربع مائة .
وللزيدية مذهب في الفروع بالحجاز وباليمن ، لكنه معدود في أقوال أهل البدع ، كالإمامية ، ولا بأس بمذهب داود ، وفيه أقوال حسنة ، ومتابعة للنصوص ، مع أن جماعة من العلماء لا يعتدون بخلافه ، وله شذوذ في مسائل شانت مذهبه .
وأما القاضي ، فذكر ما يدل على جواز تقليدهم إجماعا ، فإنه سمى المذاهب الأربعة ، والسفيانية ، والأوزاعية ، والداودية
. ثم إنه قال : فهؤلاء الذين وقع إجماع الناس على تقليدهم ، مع الاختلاف
في أعيانهم ، واتفاق العلماء على اتباعهم ، والاقتداء بمذاهبهم ، ودرس
كتبهم ، والتفقه على مآخذهم ، والتفريع على أصولهم ، دون غيرهم ممن تقدمهم
أو عاصرهم ، للعلل التي ذكرناها . [ ص: 93 ] وصار الناس اليوم في الدنيا إلى خمسة مذاهب ، فالخامس : هو مذهب الداودية . فحق على طالب العلم أن يعرف أولاهم بالتقليد ، ليحصل على مذهبه . وها نحن نبين أن مالكا - رحمه الله - هو ذلك ، لجمعه أدوات الإمامة وكونه أعلم القوم .
ثم وجه القاضي دعواه ، وحسنها ونمقها ، ولكن ما يعجز كل واحد من حنفي ،
وشافعي ، وحنبلي ، وداودي ، عن ادعاء مثل ذلك لمتبوعه ، بل ذلك لسان حاله ،
وإن لم يفه به .
ثم قال القاضي عياض : وعندنا - ولله الحمد - لكل إمام من المذكورين مناقب تقضي له بالإمامة .
قلت : ولكن هذا الإمام الذي هو النجم الهادي قد أنصف ، وقال قولا فصلا ،
حيث يقول : كل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه
وسلم . ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها ، وسعة علم ، وحسن قصد ، فلا
يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله ، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير [ ص: 94 ] في
مسائل ، ولاح له الدليل ، وقامت عليه الحجة ، فلا يقلد فيها إمامه ، بل
يعمل بما تبرهن ، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان ، لا بالتشهي والغرض . لكنه
لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه ، أو ليصمت فيما خفي عليه دليله .
قال الشافعي : العلم يدور على ثلاثة : مالك ، والليث ، وابن عيينة .
قلت : بل وعلى سبعة معهم ، وهم : الأوزاعي ، والثوري ، ومعمر ، وأبو حنيفة ، وشعبة ، والحمادان .
وروي عن الأوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكا يقول : عالم العلماء ، ومفتي الحرمين .
وعن بقية أنه قال : ما بقي على وجه الأرض أعلم بسنة ماضية منك يا مالك .
وقال أبو يوسف : ما رأيت أعلم من أبي حنيفة ، ومالك ، وابن أبي ليلى .
وذكر أحمد بن حنبل مالكا ، فقدمه على الأوزاعي ، والثوري ، والليث ، وحماد ، والحكم ، في العلم . وقال : هو إمام في الحديث وفي الفقه . وقال القطان : هو إمام يقتدى به . وقال ابن معين : مالك من حجج الله على خلقه . وقال أسد بن الفرات : إذا أردت الله والدار الآخرة فعليك بمالك . [ ص: 95 ] وقد صنف مكي القيسي كتابا فيما روي عن مالك في التفسير ، ومعاني القرآن . وقد ذكره أبو عمرو الداني في " طبقات القراء " . وأنه تلا على نافع بن أبي نعيم .
وقال بهلول بن راشد ما رأيت أنزع بآية من مالك مع معرفته بالصحيح والسقيم .
قرأت على إسحاق بن طارق ، أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا أبو المكارم التيمي ، ونبأني ابن سلامة ، عن أبي المكارم ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبو محمد بن حيان ، حدثنا محمد بن أحمد بن عمرو ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن كليب ، عن الفضل بن زياد ، سألت أحمد بن حنبل : من ضرب مالكا ؟ قال : بعض الولاة في طلاق المكره ، كان لا يجيزه ، فضربه لذلك . وبه قال أبو نعيم : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا المفضل الجندي ، [ ص: 96 ] سمعت أبا مصعب ، سمعت مالكا ، يقول : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك .
ثم قال أبو مصعب : كان مالك لا يحدث إلا وهو على طهارة إجلالا للحديث .
وبه قال : حدثنا ابن حيان ، حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي : إذا جاء الأثر كان مالك كالنجم ، وهو وسفيان القرينان .
وبه : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا السراج ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة : أتيت المدينة بعد موت نافع بسنة ، فإذا الحلقة لمالك .
وبه : حدثنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن أحمد بن راشد ، سمعت أبا داود يقول : حكى لي بعض أصحاب ابن وهب ، عنه ، أن مالكا لما ضرب ، حلق وحمل على بعير ، فقيل له : ناد على نفسك . فقال : ألا من عرفني ، فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس ، أقول : طلاق المكره ليس بشيء . فبلغ ذلك جعفر بن سليمان الأمير ، فقال : أدركوه ، أنزلوه . [ ص: 97 ]
وبه : حدثنا إبراهيم ، حدثنا السراج ، حدثنا الحسن بن عبد العزيز ، حدثنا الحارث بن مسكين ، عن ابن وهب قال : قيل لمالك : ما تقول في طلب العلم ؟ قال : حسن جميل ، لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي ، فالزمه .
وبه عن ابن وهب : سئل مالك عن الداعي يقول : يا سيدي . فقال : يعجبني دعاء الأنبياء : ربنا ، ربنا .
وبه : حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم ، حدثنا الأبار ، حدثنا أحمد بن هاشم ، حدثنا ضمرة ، سمعت مالكا يقول : لو أن لي سلطانا على من يفسر القرآن لضربت رأسه .
قلت : يعني تفسيره برأيه . وكذلك جاء عن مالك ، من طريق أخرى .
وبه : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا نعيم بن حماد ، سمعت ابن المبارك يقول : ما رأيت أحدا ارتفع مثل مالك ، ليس له كثير صلاة ولا صيام ، إلا أن تكون له سريرة .
قلت : ما كان عليه من العلم ونشره أفضل من نوافل الصوم والصلاة لمن أراد به الله .
وبه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا المقدام بن داود ، حدثنا عبد الله [ ص: 98 ] بن عبد الحكم ، سمعت مالكا يقول : شاورني هارون الرشيد في ثلاثة : في أن يعلق الموطأ في الكعبة ، ويحمل الناس على ما فيه ، وفي أن ينقض منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويجعله من ذهب وفضة وجوهر ، وفي أن يقدم نافعا إماما
في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : أما تعليق " الموطأ " ، فإن
الصحابة اختلفوا في الفروع ، وتفرقوا ، وكل عند نفسه مصيب . وأما نقض
المنبر ، فلا أرى أن يحرم الناس أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما
تقدمتك نافعا فإنه إمام في القراءة ، لا يؤمن أن تبدر منه بادرة في المحراب ، فتحفظ عليه . فقال : وفقك الله يا أبا عبد الله .
هذا إسناد حسن ، لكن لعل الراوي وهم في قوله : هارون ، لأن نافعا قبل خلافة هارون مات .
من قول مالك في السنة : وبه حدثنا محمد بن أحمد بن علي ، حدثنا الفريابي ، حدثنا الحلواني ، سمعت مطرف بن عبد الله ، سمعت مالكا يقول
: سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر بعده سننا ، الأخذ بها
اتباع لكتاب الله ، واستكمال بطاعة الله ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد
تغييرها ، ولا تبديلها ، ولا النظر في شيء خالفها ، من اهتدى بها ، فهو
مهتد ، ومن استنصر بها ، فهو منصور ، ومن تركها ، اتبع غير سبيل المؤمنين ،
وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا . [ ص: 99 ] وبه إلى الحلواني : سمعت إسحاق بن عيسى يقول : قال مالك : أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل ، تركنا ما نزل به جبريل على محمد - صلى الله عليه وسلم - لجدله ؟!
وبه حدثنا الحسن بن سعيد ، حدثنا زكريا الساجي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو ثور : سمعت الشافعي يقول : كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء ، قال : أما إني على بينة من ديني ، وأما أنت ، فشاك ، اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه .
وبه حدثنا سليمان الطبراني ، حدثنا الحسين بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن خلف الطرسوسي - وكان من ثقات المسلمين - ، قال : كنت عند مالك ، فدخل عليه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول : القرآن مخلوق ؟ فقال مالك : زنديق ، اقتلوه . فقال : يا أبا عبد الله ، إنما أحكي كلاما سمعته ، قال : إنما سمعته منك ، وعظم هذا القول .
وبه حدثنا ابن حيان ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، قال : قال مالك : الناس ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم .
وبه حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن القدر : نعم . قال الله تعالى : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها . [ ص: 100 ]
وبه حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا ابن أبي عاصم ، سمعت سعيد بن عبد الجبار ، سمعت مالكا يقول : رأيي فيهم أن يستتابوا ، فإن تابوا ، وإلا قتلوا - يعني القدرية .
وبه حدثنا محمد بن علي العقيلي ، حدثنا القاضي أبو أمية الغلابي ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا مهدي بن جعفر ، حدثنا جعفر بن عبد الله قال : كنا عند مالك ، فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله : الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟ فما وجد مالك من
شيء ما وجد من مسألته ، فنظر إلى الأرض ، وجعل ينكت بعود في يده ، حتى
علاه الرحضاء ثم رفع رأسه ، ورمى بالعود ، وقال : الكيف منه غير معقول ،
والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وأظنك
صاحب بدعة . وأمر به فأخرج .
قال سلمة بن شبيب مرة في رواية هذا : وقال للسائل : إني أخاف أن تكون ضالا .
وقال أبو الربيع الرشيديني : حدثنا ابن وهب قال : كنا عند مالك ، [ ص: 101 ] فقال رجل : يا أبا عبد الله : الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه ؟ . فأطرق مالك ، وأخذته الرحضاء ، ثم رفع رأسه ، فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ، ولا يقال له : كيف ، و " كيف " عنه مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة ، أخرجوه .
وقال محمد بن عمرو قشمرد النيسابوري : سمعت يحيى بن يحيى يقول : كنا عند مالك فجاءه رجل ، فقال : الرحمن على العرش استوى فذكر نحوه ، وفيه ، فقال : الاستواء غير مجهول .
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب : " الرد على الجهمية " له ، قال : حدثني أبي ، حدثنا سريج بن النعمان ، عن عبد الله بن نافع ، قال : قال مالك : الله في السماء ، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء .
وقال محمد بن إسحاق الصغاني : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد العمري ، حدثنا ابن أبي أويس ، سمعت مالكا يقول : القرآن كلام الله ، وكلام الله منه ، وليس من الله شيء مخلوق . [ ص: 102 ]
قال القاضي عياض في سيرة مالك قال ابن نافع وأشهب - وأحدهما يزيد على الآخر - قلت : يا أبا عبد الله : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ينظرون
إلى الله ؟ قال : نعم ، بأعينهم هاتين . قلت : فإن قوما يقولون : ناظرة :
بمعنى منتظرة إلى الثواب . قال : بل تنظر إلى الله ، أما سمعت قول موسى : رب أرني أنظر إليك أتراه
سأل محالا ؟ قال الله : لن تراني في الدنيا ، لأنها دار فناء ، فإذا صاروا
إلى دار البقاء ، نظروا بما يبقى إلى ما يبقى . قال تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون .
قال القاضي وقال غير واحد عن مالك : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، وبعضه أفضل من بعض .
قال : وقال ابن القاسم : كان مالك يقول : الإيمان يزيد . وتوقف عن النقصان .
قال : وروى ابن نافع ، عن مالك : من قال : القرآن مخلوق ، يجلد ويحبس .
قال : وفي رواية بشر بن بكر ، عن مالك قال : يقتل ولا تقبل له توبة .
يونس الصدفي : حدثنا أشهب ، عن مالك ، قال : القدرية لا [ ص: 103 ] تناكحوهم ، ولا تصلوا خلفهم .
أحمد بن عيسى : حدثنا ابن وهب ، قال : قال مالك : لا يستتاب من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكفار والمسلمين .
أبو أحمد بن عدي : حدثنا أحمد بن علي المدائني ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر ، حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر ، قال : قال القاسم : سألت مالكا عمن حدث بالحديث ، الذين قالوا : إن الله خلق آدم على صورته . والحديث الذي جاء : إن الله يكشف عن ساقه ، وأنه [ ص: 104 ] يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد فأنكر مالك ذلك إنكارا شديدا ، ونهى أن يحدث بها أحد ، فقيل له : إن ناسا من أهل العلم يتحدثون به ، فقال : من هو ؟ قيل : ابن عجلان عن أبي الزناد ، قال : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ، ولم يكن عالما . وذكر أبا الزناد ، فقال : لم يزل عاملا لهؤلاء حتى مات . رواها مقدام الرعيني ، عن ابن أبي الغمر ، والحارث بن مسكين ، قالا : حدثنا ابن القاسم .
قلت : أنكر الإمام ذلك ، لأنه لم يثبت عنده ، ولا اتصل به ، فهو معذور ،
كما أن صاحبي " الصحيحين " معذوران في إخراج ذلك - أعني الحديث الأول
والثاني - لثبوت سندهما ، وأما الحديث الثالث ، فلا أعرفه [ ص: 105 ] بهذا اللفظ ، فقولنا في ذلك وبابه : الإقرار ، والإمرار ، وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم .
وقال ابن عدي : حدثنا محمد بن هارون بن حسان ، حدثنا صالح بن أيوب ، حدثنا حبيب بن أبي حبيب ، حدثني مالك قال : يتنزل ربنا - تبارك وتعالى - أمره ، فأما هو ، فدائم لا يزول . قال صالح : فذكرت ذلك ليحيى بن بكير ، فقال : حسن والله ، ولم أسمعه من مالك .
قلت : لا أعرف صالحا ، وحبيب مشهور ، والمحفوظ عن مالك - رحمه الله - رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات ، فقال : أمرها كما جاءت ، بلا تفسير . فيكون للإمام في ذلك قولان إن صحت رواية حبيب .
أحمد بن عبد الرحيم بن البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا عمرو بن حسان أن أبا خليد قال لمالك : يا أبا عبد الله إن أهل دمشق يقرءون : إبراهام . فقال : أهل دمشق بأكل البطيخ أعلم منهم بالقراءة . قال له أبو خليد : إنهم يدعون قراءة عثمان ، قال مالك : فهذا مصحف عثمان عندي . ودعا به ، ففتح ، فإذا فيه : إبراهام ، كما قال أهل دمشق .
قلت : رسم المصحف محتمل للقراءتين ، وقراءة الجمهور أفصح وأولى . [ ص: 106 ]
قال ابن القاسم : سألت مالكا عن علي وعثمان . فقال : ما أدركت أحدا ممن أقتدي به إلا وهو يرى الكف عنهما ، قال ابن القاسم : يريد التفضيل بينهما . فقلت : فأبو بكر وعمر ؟ فقال : ليس فيهما إشكال ، إنهما أفضل من غيرهما .
قال الحسن بن رشيق : سمعت النسائي يقول : أمناء الله على علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة : شعبة ، ومالك ، ويحيى القطان .
قال القاضي عياض : قال معن : انصرف مالك يوما ، فلحقه رجل يقال له : أبو الجويرية ،
متهم بالإرجاء . فقال : اسمع مني ، قال : احذر أن أشهد عليك . قال : والله
ما أريد إلا الحق ، فإن كان صوابا فقل به ، أو فتكلم . قال : فإن غلبتني ؟
قال : اتبعني . قال : فإن غلبتك ؟ قال : اتبعتك . قال : فإن جاء رجل
فكلمنا ، فغلبنا ؟ قال : اتبعناه . فقال مالك : يا هذا ، إن الله بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بدين واحد ، وأراك تتنقل .
وعن مالك قال : الجدال في الدين ينشئ المراء ، ويذهب بنور العلم من القلب ويقسي ، ويورث الضغن .
قال القاضي عياض : قال أبو طالب المكي : كان مالك - رحمه الله - أبعد الناس من مذاهب المتكلمين ، وأشد نقضا للعراقيين . ثم قال القاضي عياض : قال سفيان بن عيينة : سأل رجل مالكا فقال : الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟ فسكت مالك حتى علاه الرحضاء ، ثم قال : الاستواء منه معلوم ، والكيف منه غير معقول ، والسؤال عن هذا [ ص: 107 ] بدعة ، والإيمان به واجب ، وإني لأظنك ضالا . أخرجوه . فناداه الرجل : يا أبا عبد الله ، والله لقد سألت عنها أهل البصرة والكوفة والعراق ، فلم أجد أحدا وفق لما وفقت له .
===فصل
ولم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكا في العلم والفقه ، والجلالة والحفظ ، فقد كان بها بعد الصحابة مثل سعيد بن المسيب ، والفقهاء السبعة والقاسم ، وسالم ، وعكرمة ، ونافع ، وطبقتهم ، ثم زيد بن أسلم ، وابن شهاب ، وأبي الزناد ، ويحيى بن سعيد ، وصفوان بن سليم ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وطبقتهم ، فلما تفانوا ، اشتهر ذكر مالك بها ، وابن أبي ذئب ، وعبد العزيز بن الماجشون ، وسليمان بن بلال ، وفليح بن سليمان ، والدراوردي ، وأقرانهم ، فكان مالك هو المقدم فيهم على الإطلاق ، والذي تضرب إليه آباط الإبل من الآفاق ، رحمه الله تعالى . وقد وقع لي من عواليه " موطأ " أبي مصعب . وفي الطريق [ ص: 59 ] إجازة
، ووقع لي من عالي حديثه بالاتصال أربعون حديثا من المائة الشريحية ، وجزء
بيبى ، وجزء البانياسي ، والأجزاء المحامليات ، فمن ذلك :
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الهمداني ، قال : أخبرنا أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز الدينوري ببغداد ، سنة عشرين وستمائة ، أخبرنا عمي أبو بكر محمد بن عبد العزيز في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، أخبرنا عاصم بن الحسن ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي ، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي ، حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن أبي يونس مولى عائشة ، عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف على الباب ، وأنا أسمع - : يا رسول الله ، إني أصبح جنبا ، وأنا أريد [ ص: 60 ] الصيام
، أفأغتسل وأصوم ذلك اليوم ؟ فقال : " وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام
فأغتسل وأصوم ذلك اليوم " فقال له الرجل : يا رسول الله ، إنك لست مثلنا ،
قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فغضب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - وقال : " والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي .
هذا حديث صحيح . أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك ، ورواه النسائي في مسند مالك له ، عن محمد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم الفقيه ، عن مالك .
وروى النسائي هذا المتن بنحوه عن أحمد بن حفص النيسابوري ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن حجاج بن حجاج ، عن قتادة ، عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن نافع مولى أم سلمة ، عن أم سلمة ،
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا إسناد غريب ، عزيز قد توالى فيه
خمسة تابعيون بعضهم عن بعض ، ومن حيث العدد : كأنني صافحت فيه النسائي .
ورواه أيضا ابن أبي عروبة ، عن قتادة بإسناده ، لكنه لم يسم فيه نافعا ، بل قال : عن مولى أم سلمة ، عنها ، وحديث عائشة هو في صحيح [ ص: 61 ] مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن عبد الرحمن وهو أبو طوالة ، ولم يخرج البخاري لأبي يونس شيئا فيما علمت ، والله أعلم .
قال أبو عبد الله الحاكم - وذكر سادة من أئمة التابعين بالمدينة ، كابن المسيب ، ومن بعده - قال : فما ضربت أكباد الإبل من النواحي إلى أحد منهم دون غيره ، حتى انقرضوا وخلا عصرهم ، ثم حدث مثل ابن شهاب ، وربيعة ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الله بن يزيد بن هرمز ، وأبي الزناد ، وصفوان بن سليم ، وكلهم يفتي بالمدينة ، ولم ينفرد واحد منهم بأن ضربت إليه أكباد الإبل حتى خلا هذا العصر فلم يقع بهم التأويل في عالم أهل المدينة . ثم حدث بعدهم مالك ، فكان مفتيها ، فضربت إليه أكباد الإبل من الآفاق ، واعترفوا له ، وروت الأئمة عنه ممن كان أقدم منه سنا ، كالليث عالم أهل مصر والمغرب ، وكالأوزاعي عالم أهل الشام ومفتيهم ، والثوري ، وهو المقدم بالكوفة ، وشعبة عالم أهل البصرة . إلى أن قال : وحمل عنه قبلهم يحيى بن سعيد الأنصاري حين ولاه أبو جعفر قضاء القضاة ، فسأل مالكا أن يكتب له مائة حديث حين خرج إلى العراق ، ومن قبل كان ابن جريج حمل عنه .
أبو مصعب : سمعت مالكا يقول : دخلت على أبي جعفر أمير
المؤمنين ، وقد نزل على مثال له - يعني فرشه - وإذا على بساطه دابتان ما
تروثان ولا تبولان ، وجاء صبي يخرج ثم يرجع ، فقال لي : أتدري من هذا ؟ قلت
: لا . قال : هذا ابني ، وإنما يفزع من هيبتك ، ثم ساءلني عن أشياء منها
حلال ، ومنها حرام ، ثم قال لي : أنت - والله - أعقل الناس ، وأعلم الناس .
قلت : لا والله يا أمير المؤمنين . قال : بلى . ولكنك تكتم . ثم قال :
والله لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف ، ولأبعثن به إلى [ ص: 62 ] الآفاق ، فلأحملنهم عليه .
الحسن بن عبد العزيز الجروي : حدثنا عبد الله بن يوسف ، عن خلف بن عمر ، سمع مالكا يقول : ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني : هل تراني موضعا لذلك ؟ سألت ربيعة ، وسألت يحيى بن سعيد ، فأمراني بذلك . فقلت : فلو نهوك ؟ قال : كنت أنتهي ، لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه .
قال خلف : ودخلت عليه ،
فقال : ما ترى ؟ فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه ، يقول : رأيت النبي - صلى
الله عليه وسلم - في المنام ، في مسجد قد اجتمع الناس عليه ، فقال لهم :
إني قد خبأت تحت منبري طيبا أو علما ، وأمرت مالكا أن يفرقه على الناس ، فانصرف الناس وهم يقولون : إذا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بكى ، فقمت عنه .
أحمد بن صالح : سمعت ابن وهب يقول : قال مالك : لقد سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ، ما حدثت بها قط ، ولا أحدث بها .
نصر بن علي الجهضمي حدثني حسين بن عروة قال : قدم المهدي ، فبعث إلى مالك بألفي دينار ، أو قال : بثلاثة آلاف دينار ، ثم أتاه الربيع بعد ذلك ، فقال : إن أمير المؤمنين يحب أن تعادله إلى مدينة [ ص: 63 ] السلام ، فقال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون والمال عندي على حاله .
محمود بن غيلان ، حدثنا إسماعيل بن داود المخراقي : سمعت مالكا يقول : أخذ ربيعة الرأي بيدي ، فقال : ورب هذا المقام ، ما رأيت عراقيا تام العقل ، وسمعت مالكا يقول : كان عطاء بن أبي رباح ضعيف العقل .
ياسين بن عبد الأحد ، حدثني عمر بن المحبر الرعيني ، قال : قدم المهدي المدينة ، فبعث إلى مالك ، فأتاه ، فقال لهارون وموسى : اسمعا منه ، فبعث إليه ، فلم يجبهما ، فأعلما المهدي ، فكلمه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، العلم يؤتى أهله . فقال : صدق مالك ، صيرا إليه ، فلما صارا إليه ، قال له مؤدبهما : اقرأ علينا ، فقال : إن أهل المدينة يقرءون على العالم ، كما يقرأ الصبيان على المعلم ، فإذا أخطئوا ، أفتاهم . فرجعوا إلى المهدي ، فبعث إلى مالك ، فكلمه ، فقال : سمعت ابن شهاب يقول : جمعنا هذا العلم في الروضة من رجال ، وهم يا أمير المؤمنين : سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة ، وعروة ، والقاسم ، وسالم ، وخارجة بن زيد ، وسليمان بن يسار ، ونافع ، وعبد الرحمن بن هرمز ، ومن بعدهم : أبو الزناد ، وربيعة ، ويحيى بن سعيد ، وابن شهاب ، كل هؤلاء يقرأ عليهم [ ص: 64 ] ولا يقرءون ، فقال : في هؤلاء قدوة ، صيروا إليه ، فاقرءوا عليه ، ففعلوا .
قتيبة : حدثنا معن ، عن مالك ، قال : قدم هارون يريد الحج ، ومعه يعقوب أبو يوسف ، فأتى مالك أمير المؤمنين ، فقربه وأكرمه ، فلما جلس ، أقبل إليه أبو يوسف ، فسأله عن مسألة فلم يجبه ، ثم عاد فسأله فلم يجبه ، ثم عاد فسأله . فقال هارون : يا أبا عبد الله ، هذا قاضينا يعقوب ، يسألك ، قال : فأقبل عليه مالك ، فقال : يا هذا ، إذا رأيتني جلست لأهل الباطل ، فتعال أجبك معهم .
السراج : حدثنا قتيبة : كنا إذا دخلنا على مالك ، خرج إلينا مزينا مكحلا مطيبا ، قد لبس من أحسن ثيابه ، وتصدر الحلقة ، ودعا بالمراوح ، فأعطى لكل منا مروحة .
محمد بن سعد : حدثني محمد بن عمر ، قال : كان مالك يأتي
المسجد ، فيشهد الصلوات والجمعة والجنائز ، ويعود المرضى ، ويجلس في
المسجد ، فيجتمع إليه أصحابه ، ثم ترك الجلوس ، فكان يصلي وينصرف ، وترك
شهود الجنائز ، ثم ترك ذلك كله ، والجمعة ، واحتمل الناس ذلك كله ، وكانوا
أرغب ما كانوا فيه ، وربما كلم في ذلك ، فيقول : ليس كل أحد يقدر أن يتكلم
بعذره . [ ص: 65 ]
وكان يجلس في منزله على ضجاع له ، ونمارق [ مطروحة في منزله يمنة ويسرة ] لمن يأتيه من قريش ، والأنصار ، والناس .
وكان مجلسه مجلس وقار وحلم . قال : وكان رجلا مهيبا نبيلا ، ليس في مجلسه
شيء من المراء واللغط ، ولا رفع صوت ، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث ،
فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث ، وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه ، وكان له
كاتب قد نسخ كتبه ، يقال له : حبيب . يقرأ للجماعة ، ولا ينظر أحد في كتابه ولا يستفهم ، هيبة لمالك ، وإجلالا له ، وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك ، وكان ذلك قليلا .
ابن وهب : سمعت مالكا يقول : ما أكثر أحد قط فأفلح .
حرملة : حدثنا ابن وهب ، قال لي مالك : العلم ينقص ولا يزيد ، ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب . [ ص: 66 ]
أحمد بن مسعود المقدسي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، قال : كان مالك يقول : والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك حتى أصل إليه ، إلا نزع الله هيبته من صدري .
حرملة : حدثنا ابن وهب : سمعت مالكا يقول : اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع .
هارون بن موسى الفروي : سمعت مصعبا الزبيري يقول : سأل هارون الرشيد مالكا ،
وهو في منزله ، ومعه بنوه ، أن يقرأ عليهم . قال : ما قرأت على أحد منذ
زمان وإنما يقرأ علي ، فقال : أخرج الناس حتى أقرأ أنا عليك ، فقال : إذا
منع العام لبعض الخاص ، لم ينتفع الخاص . وأمر معن بن عيسى ، فقرأ عليه .
إسماعيل بن أبي أويس ، قال : سألت خالي مالكا عن مسألة ، فقال لي : قر . ثم توضأ ، ثم جلس على السرير ، ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . وكان لا يفتي حتى يقولها .
ابن وهب : سمعت مالكا يقول : ما تعلمت العلم إلا لنفسي ، وما تعلمت ليحتاج الناس إلي ، وكذلك كان الناس .
إسماعيل القاضي : سمعت أبا مصعب يقول : لم يشهد مالك الجماعة خمسا وعشرين سنة ، فقيل له : ما يمنعك ؟ قال : مخافة أن أرى منكرا ، فأحتاج أن أغيره .
إبراهيم الحزامي : حدثني مطرف بن عبد الله ، قال لي مالك : ما يقول الناس في ؟ قلت : أما الصديق فيثني ، وأما العدو فيقع . فقال : ما [ ص: 67 ] زال الناس كذلك ، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها .
أحمد بن سعيد الرباطي سمعت عبد الرزاق يقول : سأل سندل مالكا عن مسألة ، فأجابه ، فقال : أنت من الناس ، أحيانا تخطئ ، وأحيانا لا تصيب ، قال : صدقت . هكذا الناس . فقيل لمالك : لم تدر ما قال لك ؟ ففطن لها ، وقال : عهدت العلماء ، ولا يتكلمون بمثل هذا ، وإنما أجيبه على جواب الناس .
حرملة : حدثنا ابن وهب : سمعت مالكا يقول : ليس هذا الجدل من الدين بشيء .
ابن وهب ، عن مالك ، قال : دخلت على المنصور ، وكان يدخل عليه الهاشميون ، فيقبلون يده ورجله - عصمني الله من ذلك - .
الحارث بن مسكين : أخبرنا ابن القاسم قال : قيل لمالك : لم لم تأخذ عن عمرو بن دينار ؟ قال : أتيته ، فوجدته يأخذون عنه قياما ، فأجللت حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن آخذه قائما .
إبراهيم بن المنذر : حدثنا معن ، وغيره ، عن مالك ، قال
: لا يؤخذ العلم عن أربعة : سفيه يعلن السفه ، وإن كان أروى الناس ، وصاحب
بدعة يدعو إلى هواه ، ومن يكذب في حديث الناس ، وإن كنت لا أتهمه في [ ص: 68 ] الحديث ، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به .
أصبغ : حدثنا ابن وهب ، عن مالك - وسئل عن الصلاة خلف أهل البدع ؛ القدرية وغيرهم
- فقال : لا أرى أن يصلى خلفهم . قيل : فالجمعة ؟ قال : إن الجمعة فريضة ،
وقد يذكر عن الرجل الشيء ، وليس هو عليه . فقيل له : أرأيت إن استيقنت ،
أو بلغني من أثق به ، أليس لا أصلي الجمعة خلفه ؟ قال : إن استيقنت . كأنه
يقول : إن لم يستيقن ذلك ، فهو في سعة من الصلاة خلفه .
أبو يوسف أحمد بن محمد الصيدلاني : سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول : كنت عند مالك فنظر إلى أصحابه ، فقال : انظروا أهل المشرق ، فأنزلوهم بمنزلة أهل الكتاب إذا حدثوكم ، فلا تصدقوهم ، ولا تكذبوهم ، ثم التفت ، فرآني ، فكأنه استحيا ، فقال : يا أبا عبد الله ، أكره أن تكون غيبة ، هكذا أدركت أصحابنا يقولون .
قلت : هذا القول من الإمام قاله لأنه لم يكن له اعتناء بأحوال بعض القوم ، ولا خبر تراجمهم ، وهذا هو الورع . ألا تراه لما خبر حال أيوب السختياني العراقي كيف احتج به . وكذلك حميد الطويل ، وغير واحد ممن روى عنهم . وأهل العراق كغيرهم
، فيهم الثقة الحجة ، والصدوق ، والفقيه ، والمقرئ ، والعابد ، وفيهم
الضعيف ، والمتروك ، والمتهم . وفي " الصحيحين " شيء كثير جدا من رواية
العراقيين - رحمهم الله - . وفيهم من التابعين كمثل علقمة ، ومسروق ، وعبيدة ، والحسن ، [ ص: 69 ] وابن سيرين ، والشعبي ، وإبراهيم ، ثم الحكم ، وقتادة ، ومنصور ، وأبي إسحاق ، وابن عون ، ثم مسعر ، وشعبة ، وسفيان ، والحمادين ، وخلائق أضعافهم ،
=====محنة الامام مالك=======
في الصفة التالية ان شاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق